تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٠٣
بيعلموا. وقد نقل عن الزجاج رد قول من قال من شرط، وقال هذا ليس موضع شرط، ولم ينقل عنه توجيه، كونه ليس موضع شرط. وأرى المانع من ذلك أن الفعل الذي يلي من هو ماض لفظا ومعنى، لأن الاشتراء قد وقع، وجعله شرطا لا يصح، لأن فعل الشرط إذا كان ماضيا لفظا، فلا بد أن يكون مستقبلا في المعنى. فلما كان كذلك، كان ليس موضع شرط. والضمير المنصوب في اشتراه عائد على السحر، أو الكفر، أو كتابهم الذي باعوه بالسحر، أو القرآن، لأنه تعوضوا عنه بكتب السحر، أقوال أربعة. والخلاق: النصيب، قاله مجاهد، أو الدين، قاله الحسن؛ أو القوام، قاله ابن عباس، أو الخلاص، أو القدر، قاله قتادة؛ أقوال خمسة.
* (ولبئس ما شروا به أنفسهم) *: تقدم القول في بئس، وفي ما الواقعة بعدها، ومعناه: ذم ما باعوا به أنفسهم. والضمير في به عائد على السحر، أو الكفر. والمخصوص بالذم محذوف تقديره: على أحسن الوجوه التي تقدمت في بئسما السحر، أو الكفر. والضمير في: شروا، ويعلمون، باتفاق لليهود. فمتى فسر الضمير في ولقد علموا بأنه عائد على الشياطين، أو اليهود الذين كانوا بحضرة سليمان، وفي زمانه، أو الملكين بفتح اللام، أو بكسرها، فلا إشكال لاختلاف المسند إليه العلم. وإن اتحد المسند إليه، أول العلم الثاني بالعقل، لأن العلم من ثمرته، فلما انتفى الأصل، نفى ثمرته. أو بالعمل، لأنه من ثمرة العلم، فلما انتفت الثمرة، جعل ما ينشأ عنه منفيا، أو أول متعلق العلم، وهو المحذوف، أي علموا ضرره في الآخرة، ولم يعلموا نفعه في الدنيا. أو علموا نفي الثواب، ولم يعلموا استحقاق العذاب. وجواب لو محذوف تقديره: * (لو كانوا يعلمون) *. ذم ذلك لما باعوا أنفسهم. * (ولو أنهم ءامنوا واتقوا) *: قد تقدم الكلام في لو وأقسامها، وهي هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، ويأتي الكلام على جوابها إن شاء الله. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون قوله: * (ولو أنهم ءامنوا) * تمنيا لإيمانهم، على سبيل المجاز، عن إرادة الله، إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدىء: * (لمثوبة من عند الله خير) *، انتهى. فعلى هذا لا يكون للجواب لازم، لأنها قد تجاب إذا كانت للتمني بالفاء، كما يجاب ليت. إلا أن الزمخشري دس في كلامه هذا، ويحرجه مذهبه الاعتزالي، حيث جعل التمني كناية عن إرادة الله، فيكون المعنى: إن الله أراد إيمانهم، فلم يقع مراده، وهذا هو عين مذهب الاعتزال، والطائفة الذين سموا أنفسهم عدلية:
* قالوا يريد ولا يكون مراده * عدلوا ولكن عن طريق المعرفة * وأنهم آمنوا، يتقدر بمصدر كأنه قيل: ولو إيمانهم، وهو مرفوع. فقال سيبويه: هو مرفوع بالابتداء، أي ولو إيمانهم ثابت. وقال المبرد: هو مرفوع على الفاعلية، أي ولو ثبت إيمانهم. ففي كل من المذهبين حذف للمسند، وإبقاء المسند إليه. والترجيح بين المذهبين مذكور في علم النحو، والضمير في أنهم لليهود، أو الذين يعلمون السحر، قولان. والإيمان والتقوى: الإيمان التام، والتقوى الجامعة لضروبها، أو الإيمان بمحمد وبما جاء به، وتقوى الكفر والسحر، قولان متقاربان.
* (لمثوبة) *: اللام لام الابتداء، لا الواقعة في جواب لو، وجواب لو محذوف لفهم المعنى، أي لا ثيبوا، ثم ابتدأ على طريق الإخبار الاستئنافي، لا على طريق تعليقه بإيمانهم وتقواهم، وترتبه عليهما، هذا قول الأخفش، أعني أن الجواب محذوف. وقيل: اللام هي الواقعة في جواب لو، والجواب: هو قوله: * (لمثوبة) *، أي الجملة الإسمية. والأول اختيار الراغب، والثاني اختيار الزمخشري. قال: أوثرت الجملة الإسمية على الفعلية في
(٥٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 ... » »»