كفروا. قالوا: أو خبرا ثانيا. وقيل: حال من الشياطين. ورد بأن لكن لا تعمل في الحال، وقيل: بدل من كفروا، بدل الفعل من الفعل، لأن تعليم الشياطين السحر كفر في المعنى. والظاهر أنه استئناف إخبار عنهم. وقيل: الضمير عائد على الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين. على اختلاف المفسرين فيمن يعود عليه ضمير اتبعوا، فيكون المعنى: يعلم المتبعون ما تتلو الشياطين الناس، فالناس معلمون للمتبعين. وعلى القول الأول يكونون معلمين للشياطين.
واختلف في حقيقة السحر على أقوال: الأول: أنه قلب الأعيان واختراعها وتغيير صور الناس مما يشبه المعجزات والكرامات، كالطيران وقطع المسافات في ليلة. الثاني: أنه خدع ومخاريق وتمويهات وشعوذة لا حقيقة لها، ويدل عليه، * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) *. وفي الحديث، حين سحر لبيد بن الأعصم رسول الله صلى الله عليه وسلم): (يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله). وهو قول المعتزلة: يرون أن السحر ليست له حقيقة، ووافقهم أبو إسحاق الاسترأباذي من الشافعية. الثالث: أنه أمر يأخذ بالعين على جهة الحيلة، ومنه: * (سحروا أعين الناس) *، كما روي أن حبالهم وعصيهم كانت مملوءة زئبقا، فسجروا تحتها نارا، فحميت الحبال والعصي، فتحركت وسعت. ولأرباب الحيل والدك والشعوذة من هذا أشياء، يبين كثير منها في الكتاب المسمى (بكشف الدك والشعوذة وإيضاح الشك)، وفي كتاب (إرخاء الستور والكلل في الشعوذة والحيل). وفي الحديث، حين انشق القمر نصفين بمكة، قال أبو جهل: اصبروا حتى يأتي أهل البوادي، فإن لم يخبروا بذلك، كان محمد قد سحر أعيننا، فأتوا فأخبروا بذلك، فقال: ما هذا إلا سحر عظيم. الرابع: أنه نوع من خدمة الجن، وهم الذين استخرجوه من جنس لطيف أجسامهم وهيآتها، فلطف ودق وخفي. الخامس: أنه مركب من أجسام تجمع وتحرق، وتتخذ منها أرمدة ومداد، ويتلى عليها أسماء وعزائم، ثم تستعمل فيما يحتاج إليها م السحر. السادس: أن أصله طلسمات وقلفطريات، تبنى على تأثير خصائص الكواكب، كتأثير الشمس في زئبق عصى فرعون، أو استخدام الشياطين لتسهيل ما عسر. السابع: أنه مركب من كلمات ممزوجة بكفر. قال بعض معاصرينا: هذه الأقوال كلها التي قالوها في حقيقة السحر أنواع من أنواع السحر، وقد ضم إليها أنواع أخر من الشعبذة والدك والنارنجيات والأوفاق والعزائم وضروب المنادل والصرع، وما يجري مجرى ذلك. انتهى كلامه. ولا يشك في أن السحر كان موجودا، لنطق القرآن والحديث الصحيح به. وأما في زماننا الآن، فكلما وقفنا عليه في الكتب، فهو كذب وافتراء، لا يترت بعلية شيء، ولا يصح منه شيء البتة. وكذلك العزائم وضرب المندل، والناس الذين يعتقد فيهم أنهم عقلاء، يصدقون بهذه الأشياء، ويصغون إلى سماعها. وقد رأيت بعض من ينتمي إلى العلم، إذا أفلس، وضع كتبا وذكر فيها أشياء من رأسه، وباعها في الأسواق بالدراهم الجيدة. وقد أطلق اسم السحر بعض العلماء على الوشي بين الناس بالنميمة، لأن فيه قلب الصديق عدوا، والحبيب بغيضا. كما أطلق على حسن التوسل باللفظ الرائق العذب، لما فيه من الاستمالة، وسمي: سحرا حلالا. وقد روي أن من البيان لسحرا، وقال