تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٠١
الميم وكسرها وضمها فلغات، وأما المر بكسر الراء فوجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى الراء، وحذف الهمزة، وأما تشديدها بعد الحذف، فوجهه أنه نوى الوقف فشدد، كما روي عن عاصم: مستطر بتشديد الراء في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فأقرها على تشديدها فيه. * (وزوجه) *: ظاهره أنه يريد به امرأة الرجل. وقيل الزوج هنا: الأقارب والإخوان، وهم الصنف الملائم للإنسان، ومنه من كل زوج بهيج، * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) *.
* (وما هم بضارين به) *: الضمير الذي هو: هم عائد على السحرة الذين عاد عليهم ضمير فيتعلمون. وقيل: على اليهود الذين عاد عليهم ضمير واتبعوا. وقيل: على الشياطين. وبضارين: في موضع نصب على أن ما حجازية، أو في موضع رفع على أن ما تميمية. والضمير في به عائد على ما في قوله: * (ما يفرقون) *. وقرأ الجمهور: بإثبات النون في بضارين. وقرأ الأعمش: بحذفها، وخرج ذلك على وجهين: أحدهما: أنها حذفت تخفيفا، وإن كان اسم الفاعل في صلة الألف واللام. والثاني: أن حذفها لأجل الإضافة إلى أحد، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور الذي هو به، كما قال:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له وكما قال:
كما خط الكتاب بكف يوما يهودي وهذا اختيار الزمخشري، ثم استشكل ذلك، لأن أحدا مجرور بمن، فكيف يمكن أن يعتقد فيه أنه مجرور بالإضافة؟ فقال: فإن قلت: كيف يضاف إلى أحد، وهو مجرور بمن؟ قلت: جعل الجار جزءا من المجرور. انتهى. وهذا التخريج ليس بجيد، لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، والجار والمجرور من ضرائر الشعر، وأقبح من ذلك أن لا يكون ثم مضاف إليه، لأنه مشغول بعامل جر، فهو المؤثر فيه لا الإضافة. وأما جعل حرف الجر جزءا من المجرور، فهذا ليس بشيء، لأنه مؤثر فيه. وجزء الشيء لا يؤثر في الشيء، والأجود التخريج الأول، لأن له نظيرا في نظم العرب ونثرها. فمن النثر قول العرب، قطا قطا بيضك ثنتا وبيضي مائتا، يريدون: ثنتان ومائتان.
* (من أحد) *، من زائدة، واحد: مفعول بضارين. ومن تزاد في المعفول، إلا أن المعهود زيادتها في المفعول الذي يكون معمولا للفاعل الذي يباشره حرف النفي نحو: ما ضربت من رجل، وما ضرب زيد من رجل. وهنا حملت الجملة من غير الفعل والفاعل على الجملة من الفعل والفاعل، لأن المعنى: وما يضرون من أحد.
* (إلا بإذن الله) *: مستثنى مفرغ من الأحوال، فيحتمل أن يكون حالا من الضمير الفاعل في قوله: * (بضارين) *، ويحتمل أن يكون حالا من المفعول الذي هو: * (من أحد) *، ويحتمل أن يكون حالا من به، أي السحر المفرق به، ويحتمل أن يكون حالا من الضرر المصدر المعرف
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»