أو من النظر، واتسع في الفعل فعدى بنفسه، وأصله أن يتعدى بإلى، كما قال الشاعر:
* ظاهرات الجمال والحسن ينظر * ن كما ينظر الأراك الظباء * يريد: إلى الأراك، ومعناه: تفقدنا بنظرك. وقال مجاهد: معناه فهمنا وبين لنا، فسر باللازم في الأصل، وهو انظر، لأنه يلزم من الرفق والإمهال على السائل، والتأني به أن يفهم بذلك. وقيل: هو من نظر البصيرة بالتفكر والتدبر فيما يصلح للمنظور فيه، فاتسع في الفعل أيضا، إذ أصله أن يتعدى بفي، ويكون أيضا على حذف مضاف، أي انظر في أمرنا. قال ابن عطية: وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم)، والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال، وهذا هو معنى: راعنا، فبدلت للمؤمنين اللفظة، ليزول تعلق اليهود. انتهى. وقرأ أبي والأعمش: أنظرنا، بقطع الهمزة وكسر الظاء، من الإنظار، ومعناه: أخرنا وأمهلنا حتى نتلقى عنك. وهذه القراءة تشهد للقول الأول في قراءة الجمهور.
* (واسمعوا) *: أي سماع قبول وطاعة. وقيل: معناه اقبلوا. وقيل: فرغوا أسماعكم حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة. وقيل: اسمعوا ما أمرتم به حتى لا ترجعوا تعودون إليه. أكد عليهم ترك تلك الكلمة. وروي أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، فوالذي نفسي بيده، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم) لأضربن عنقه. * (وللكافرين عذاب أليم) *: ظاهره العموم، فيدخل فيه اليهود. وقيل: المراد به اليهود، أي ولليهود الذين تهاونوا بالرسول وسبوه. ولما نهى أولا، وأمر ثانيا، وأمر بالسمع وحض عليه، إذ في ضمنه الطاعة، أخذ يذكر لمن خالف أمره وكفر، * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *.
* (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) *: ذكر المفسرون أن المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: وددنا لو كان خيرا مما نحن عليه فنتبعه، فأكذبهم الله بقوله: * (ما يود الذين كفروا) *، فعلى هذا يكون المراد بأهل الكتاب: الذين بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم). والظاهر، العموم في أهل الكتاب: وهم اليهود والنصارى، وفي المشركين: وهم مشركو العرب وغيرهم، ونفى بما، ونها لنفي الحال، فهم ملتبسون بالبغض والكراهة أن ينزل عليكم. ومن، في قوله: من أهل الكتاب، تبعيضية، فتتعلق بمحذوف، أي كائنين من أهل الكتاب. ومن أثبت أن من تكون لبيان الجنس قال ذلك هنا، وبه قال الزمخشري، وأصحابنا لا يثبتون كونها للبيان. * (ولا المشركين) *، معطوف على: * (من أهل الكتاب) *. ورأيت في كتاب لأبي إسحاق الشيرازي، صاحب (التنبيه)، كلاما يرد فيه على الشيعة، ومن قال بمقالتهم: في أن مشروعية الرجلين في الوضوء هي المسح، للعطف في قوله: * (وأرجلكم) *، على قوله: * (برؤوسكم) *، خرج فيه أبو إسحاق قوله: وأرجلكم بالجر، على أنه من الخفض على الجوار، وأن أصله النصب فخفض عطفا على الجوار. وأشار في ذلك الكتاب إلى أن القرآن ولسان العرب يشهدان بجواز ذلك، وجعل منه قوله: ولا المشركين، في هذه الآية، وقوله: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) *، وأن الأصل هو الرفع، أي ولا المشركون، عطفا على الذين كفروا، وهذا حديث من قصر في العربية، وتطاول إلى الكلام فيها بغير معرفة، وعدل عن حمل اللفظ على معناه الصحيح وتركيبه الفصيح. ودخلت لا في قوله: ولا المشركين، للتأكيد، ولو كان في غير