تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٥٦
* وكل خليل غيرها ضم نفسه * لوصل خليل صارم أو معارز * ومما أنشده النحويون:
* لدم ضائع نأت أقربوه * عنه إلا الصبا وإلا الجنوب * وأنشدوا أيضا:
* وبالصريمة منهم منزل خلق * عاف تغير إلا النؤى والوتد * قال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: ويخالف الوصف بإلا الوصف بغيره، من حيث أنها يوصف بها النكرة والمعرفة والظاهر والمضمر. وقال أيضا: وإنما يعني النحويون بالوصف بإلا: عطف البيان. وقال غيره: لا يوصف بإلا إلا إذا كان الموصوف نكرة أو معرفة بلام الجنس. وقال المبرد: لا يوصف بإلا إلا إذا كان الوصف في موضع يصلح فيه البدل، وتحرير ذلك نتكلم عليه في علم النحو، وإنما نبهنا على أن ما ذهب إليه ابن عطية في تخريج هذه القراءة، لم يذهب إليه نحوي. ومن تخليط بعض المعربين أنه أجاز رفعه بفعل محذوف، كأنه قال: امتنع قليل أن يكون توكيدا للمضمر المرفوع المستثنى منه. ولولا أن هذين القولين مسطران في الكتب ما ذكرتهما. وأجاز بعضهم أن يكون رفعه على الابتداء والخبر محذوف، كأنه قال: إلا قليل منكم لم يتول، كما قالوا: ما مررت بأحد إلا رجل من بني تميم خير منه. وهذه أعاريب من لم يمعن في النحو.
وأنتم معرضون: جملة حالية، قالوا: مؤكدة. وهذا قول من جعل التولي هو الإعراض بعينه، ومن خالف بينهما تكون الحال مبينة، وكذلك تكون مبينة إذا اختلف متعلق التولي والإعراض، كما قال بعضهم؛ إن معناه: ثم توليتم عن عهد ميثاقكم وأنتم معرضون عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم). وجاءت الجملة الحالية اسمية مصدرة بأنتم، لأنها آكد. وكان الخبر اسما، لأنه أدل على الثبوت، فكأنه قيل: وأنتم عادتكم الإعراض عن الحق والتولية عنه. وفي المواجهة بأنتم تقبيح لفعلهم وكونهم ارتكبوا ذلك الفعل القبيح الذي من شأنه أن لا يقع، كقولك: يحسن إليك زيد وأنت مسيء إليه، فكان المعنى: أن من واثقه الله وأخذ عليه العهد في أشياء بها انتظام دينه ودنياه، جدير أن يثبت على العهد، وأن لا ينقضه، ولا يعرض عنه. وقيل: التولي والإعراض مأخوذ من سلوك الطريق، ومن ترك سلوك الطريق فله حالتان: إحداهما: أن يرجع عوده على بدئه، وذلك هو التولي، والثانية: أن يأخذ في عرض الطريق، وذلك هو الإعراض. وعلى هذا التفسير في التولي والإعراض لا يكون في الآية دليل على الاختلاف، إلا إن قصد أن ناسا تولوا وناسا أعرضوا، وجمع ذلك لهم، أو يتولون في وقت، ويعرضون في وقت.
وقال القشيري: التعبد بهذه الخصال حاصل لنا في شرعنا، وأولها التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة والطاعة، ثم ردك إلى مراعاة حق مثلك، إظهارا أن من لا يصلح لصحبة شخص مثله، كيف يقوم بحق معبود ليس كمثله شيء؟ فإذا كانت التربية المتضمنة حقوق الوالدين توجب عظيم هذا الحق، فما حق تربية سيدك لك؟ كيف تؤدي شكره؟ ثم ذكر عموم رحمته لذي القربى، واليتامى والمساكين، وأن يقول للناس حسنا. وحقيقة العبودية الصدق مع الحق، والرفق مع الخلق. انتهى، وبعضه مختصر.
وقال بعض أهل الإشارات: الأسباب المتقرب بها إلى الله تعالى: اعتقاد وقول وعمل ونية. فنبه بقوله
(٤٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 ... » »»