ذلك عليها ما في الأعراف من قوله تعالى: * (وقولوا حطة) *، * (وادخلوا الباب سجدا) *، * (نغفر) *، والقصة واحدة. فرتب الغفران هناك على قولهم حطة، وعلى دخول الباب سجدا، لما تضمنه الدخول من السجود. وفي تخالف هاتين الجملتين في التقديم والتأخير دليل على أن الواو لا ترتب وإنها لمطلق الجمع. وقرأ من الجمهور: بإظهار الراء من نغفر عند اللام، وأدغمها قوم قالوا وهو ضعيف.
* (وسنزيد) *: هنا بالواو، وفي الأعراف * (سنزيد) *، والتي في الأعراف مختصرة. ألا ترى إلى سقوط رغدا؟ والواو من: * (وسنزيد) *، وقوله: * (فأرسلنا عليهم) *، بدل، * (فأنزلنا على الذين ظلموا) *، وإثبات ذلك هنا، وناسب الأسهاب هنا والاختصار هناك. والزيادة ارتفاع عن القدر المعلوم، وضده النقص. * (المحسنين) *، قيل: الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطيئة، وقيل: المحسنين منهم، فقيل: معناه من أحسن منهم بعد ذلك زدناه ثوابا ودرجات، وقيل: معناه من كان محسنا منهم زدنا في إحسانه، ومن كان مسيئا بعد ذلك زدناه ثوابا ودرجات، وقيل: معناه من كان محسنا منهم زدنا في إحسانه، ومن كان مسيئا مخطئا نغفر له خطيئته، وكانوا على هذين الصنفين، فأعلمهم الله أنهم إذا فعلوا ما أمروا به من دخولهم الباب سجدا وقولهم حطة يغفر ويضاعف ثواب محسنهم. وقيل: المحسنون من دخل، كما أمر وقال: لا إلاه إلا الله، فتلخص أن المحسنين إما من غيرهم أو منهم. فمنهم إما من اتصف بالإحسان في الماضي، أي كان محسنا، أو في المستقبل، أي من أحسن منهم بعد، أو في الحال، أي وسنزيدكم بإحسانكم في امتثالكم ما أمرتم به من دخول الباب سجدا والقول حطة. وهذه الجملة معطوفة على: * (وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) *، وليست معطوفة على نغفر فتكون جوابا، ألا تراها جاءت منقطعة عن العطف في الإعراف في قوله سنزيد؟ وإن كانت من حيث المعنى لا من حيث الصناعة الإعرابية ترتيب على دخول الباب سجدا. والقول حطة، لكنها أجريت مجرى الإخبار المحض الذي لم يرتب على شيء قبله.
* (فبدل الذين ظلموا) *: ظاهره انقسامهم إلى ظالمين وغير ظالمين، وأن الظالمين هم الذين بدلوا، فإن كان كلهم بدلوا، كان ذلك من وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بالعلة، وكأنه قيل: فبدلوا، لكنه أظهره تنبيها على علة التبديل، وهو الظلم، أي لولا ظلمهم ما بدلوا، والمبدل به محذوف تقديره: فبدل الذين ظلموا بقولهم حطة. * (قولا غير الذي قيل لهم) *: ولما كان محذوفا ناسب إضافة غير إلى الاسم الظاهر بعدها. والذي قيل لهم هو أن يقولوا حطة، فلو لم يحذف لكان وجه الكلام فبدل الذين ظلموا بقولهم حطة قولا غيره، لكنه لما حذف أظهر مضافا إليه غير ليدل، على أن المحذوف هو هذا المظهر، وهو الذي قيل لهم. وهذا التقدير الذي قدرناه هو على وضع بدل إذ المجرور هو الزائل، والمنصوب هو الحاصل. واختلف المفسرون في القول الذي قالوه بدل أن يقولوا: حطة، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد ووهب وابن زيد: حنطة، وقال السدي عن أشياخه: حنطة حمراء، وقيل: حنطة بيضاء مثقوبة فيها شعرة سوداء، وقال أبو صالح: سنبلة، وقال السدي ومجاهد أيضا: هطا شمهاثا، وقيل: حطى شمعاثا، ومعناها في هذين القولين: حنطة حمراء، وقيل: حنطة بيضاء مثقوبة فيها شعرة. وقيل: حبة في شعيرة، وقال ابن مسعود: حنطة حمراء فيها شعير، وقيل: حنطة في شعير، رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم). وقيل: حبة حنطة مقلوة في شعرة، وقيل: تكلموا بكلام النبطية على جهة الاستهزاء والاستخفاف. وقيل: إنهم غيروا ما شرع لهم ولم يعملوا بما أنزل الله عليهم.
والذي ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فسر ذلك بأنهم قالوا: حبة في شعرة، فوجب المصير إلى هذا القول واطراح تلك الأقوال، ولو صح شيء من الأقوال السابقة لحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين، فيكون بعضهم قال: كذا،