حين دخلوها، فإنه مات هو وأخوه في التيه. وقيل: لم يدخلا التيه لأنه عذاب، والله لا يعذب أنبياءه.
* (فكلوا منها حيث شئتم رغدا) *: تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في قصة آدم في قوله: * (وكلا منها رغدا حيث شئتما) *، إلا أن هناك العطف بالواو وهنا بالفاء، وهناك تقديم الرغد على الظرف، وهنا تقديم الظرف على الرغد، والمعنى فيهما واحد، إلا أن الواو هناك جاءت بمعنى الفاء، قيل: وهو المعنى الكثير فيها، أعني أنه يكون المتقدم في الزمان والمعطوف بها هو المتأخر في الزمان، وإن كانت قد ترد بالعكس، وهو قليل. وللمعية والزمان، وهو دون الأول، ويدل أنها بمعنى الفاء ما جاء في الأعراف من قوله: * (فكلا) * بالفاء، والقضية واحدة. وأما تقديم الرغد هناك فظاهر، فإنه من صفات الأكل أو الآكل، فناسب أن يكون قريبا من العامل فيه ولا يؤخر عنه، ويفصل بينهما بظرف وإن لم يكن فاصلا مؤثرا المنع لاجتماعهما في المعمولية لعامل واحد، وأما هنا فإنه أخر لمناسبة الفاضلة بعده، ألا ترى أن قوله: * (فكلوا منها حيث شئتم رغدا) * وقوله: * (وادخلوا الباب سجدا) *، فهما سجعتان متناسبتان؟ فلهذا، والله أعلم، كان هذان التركيبان على هذين الوضعين.
* (وادخلوا الباب) *: الخلاف في نصب الباب كالخلاف في نصب القرية، والباب أحد أبواب بيت المقدس، ويدعى الآن: باب حطة، قاله ابن عباس؛ أو الثامن، من أبواب بيت المقدس، ويدعى باب التوبة، قاله مجاهد والسدي؛ أو باب القرية التي أمروا بدخولها، أو باب القبة التي كان فيها موسى وهارون يتعبدان، أو باب في الجبل الذي كلم الله عليه موسى. * (سجدا) * نصب على الحال من الضمير في ادخلوا، قال ابن عباس: معناه ركعا، وعبر عن الركوع بالسجود، كما يعبر عن السجود بالركوع، قيل: لأن الباب كان صغيرا ضيقا يحتاج الداخل فيه إلى الانحناء، وبعد هذا القول لأنه لو كان ضيفا لكانوا مضطرين إلى دخوله ركعا، فلا يحتاج فيه إلى الأمر، وهذا لا يلزم، لأنه كان يمكن أن تكون الحال لازمة بمعنى أنه لا يمكن أن يقع الدخول إلا على هذه الحال، والحال اللازمة موجودة في كلام العرب. وقيل: معناه خضعا متواضعين، واختاره أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل في المنتخب، ونذكر وجه اختياره لذلك. وقيل: معناه السجود المعروف من وضع الجبهة على الأرض، والمعنى: ادخلوا ساجدين شكرا لله تعالى، إذ ردهم إليها. وهذا هو ظاهر اللفظ. قال أبو عبد الله بن أبي الفضل: وهذا بعيد، لأن الظاهر يقتضي وجوب الدخول حال السجود، فلو حملناه على ظاهره لامتنع ذلك، فلما تعذر على حقيقة السجود وجب حمله على التواضع، لأنهم إذا أخذوا في التوبة، فالتائب عن الذنب لا بد أن يكون خاشعا مستكينا، وما ذهب إليه لا يلزم، لأن أخذ الحال مقارنة، فتعذر ذلك عنده، وليس بمتعذر لأنه لا يبعد أن أمروا بالدخول وهم ساجدون، فيضعون جباههم على الأرض وهم داخلون. وتصدق الحال المقارنة بوضع الجبهة على الأرض إذا دخلوا. وأما إذا جعلنا الحال مقدرة فيصح ذلك، لأن السجود إذ ذاك يكون متراخيا عن الدخول، والحال المقدرة موجودة في لسان العرب. من ذلك ما في كتاب سيبويه مررت برجل معه صقر صائدا به غدا. وإذا أمكن حمل السجود على المتعارف فيه كثيرا، وهو وضع الجبهة بالأرض يكون الحال مقارنة أو مقدرة، كان أولى. وقال الزمخشري: أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب، شكرا لله وتواضعا، وما ذكره ليس مدلول الآية لأنهم لم يؤمروا بالسجود في الآية عند الانتهاء إلى الباب، بل أمروا بالدخول في حال السجود. فالسجود ليس مأمورا به، بل هو قيد في وقوع المأمور به، وهو الدخول، والأحوال نسب تقييدية، والأوامر نسب إسنادية، فتناقضتا، إذ يستحيل أن يكون الشيء تقييديا إسناديا، لأنه من حيث التقييد لا يكتفي كلاما ومن حيث الإسناد يكتفي، فظهر التناقض. وفي كيفية دخولهم الباب أقوال: قال ابن عباس وعكرمة: دخلوا من قبل أستاههم، وقال ابن مسعود: دخلوا مقنعي رؤوسهم، وقال مجاهد: دخلوا على حروف أعينهم، وقال مقاتل: دخلوا مستلقين، وقيل: دخلوا منزحفين على ركبهم عنادا وكبرا، والذي