تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٨٥
فليس بسديد، لأن سمع ووجد كل منهما يتعلق بالمفردات والجمل، لأن المسموع والموجود في الكتاب قد يكون مفردا وقد يكون جملة. وأما القول فلا يقع إلا على الجمل، ولا يقع على المفردات إلا فيما تقدم ذكره، وليس حطة منها. واختلفت أقوال المفسرين في حطة، فقال الحسن: معناه حط عنا ذنوبنا، وقال ابن عباس وابن جبير ووهب: أمروا أن يستغفروا، وقال عكرمة: معناها لا إلاه إلا الله، وقال الضحاك: معناه وقولوا هذا الأمر الحق، وقيل: معناه نحن لا نزال تحت حكمك ممتثلون لأمرك، كما يقال قد حططت في فنائك رحلي. وقد تقدمت التقادير في إضمار ذلك المبتدأ قبل حطة وهي أقاويل لأهل التفسير. وقد روي عن ابن عباس أنهم أمروا بهذه اللفظة بعينها، قيل: والأقرب خلافه، لأن هذه اللفظة عربية وهم ما كانوا يتكلمون بها، ولأن الأقرب أنهم أمروا بأن يقولوا قولا دالا على التوبة والندم والخضوع، حتى لو قالوا: اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، لكان الخضوع حاصلا، لأن المقصود من التوبة أما بالقلب فبالندم وأما باللسان فبذكر لفظ يدل على حصول الندم في القلب، وذلك لا يتوقف على ذكر لفظة بعينها.
* (يغفر) *، نافع: بالياء مضمومة، ابن عامر: بالتاء، أبو بكر من طريق الجعفي: يغفر، الباقون: نغفر. فمن قرأ بالياء مضمومة فلأن الخطايا مؤنث، ومن قرأ بالياء مفتوحة فالضمير عائد على الله تعالى ويكون من باب الالتفات، لأن صدر الآية * (وإذ قلنا) * ثم قال: * (يغفر) *، فانتقل من ضمير متكلم معظم نفسه إلى ضمير الغائب المفرد، ويحتمل أن يكون الضمير عائدا على القول الدال عليه وقولوا، أي نغفر القول ونسب الغفران إليه مجازا لما كان سببا للغفران، ومن قرأ بالنون، وهي قراءة باقي السبعة، فهو الجاري على نظام ما قبله من قوله: * (وإذ قلنا) *، وما بعده من قوله: * (وسنزيد) *، فالكلام به في أسلوب واحد، ولم يقرأ أحد من السبعة إلا بلفظ * (خطاياكم) *، وأمالها الكسائي. وقرأت طائفة: تغفر بفتح التاء، قيل: كأن الحطة تكون سبب الغفران، يعني قائل هذا وهو ابن عطية، فيكون الضمير للحطة وهذا ليس بجيد، لأن نفس اللفظة بمجردها لا تكون سببا للغفران. وقد بينا ذلك قبل، فالضمير عائد على المقالة المفهومة من: * (وقولوا) *، ونسب الغفران إليها على طريق المجاز، إذ كانت سببا للغفران. وقرأ الجحدري وقتادة: تغفر بضم التاء وإفراد الخطيئة. وروي عن قتادة: يغفر بالياء مضمومة. وقرأ الأعمش: يغفر بالياء مفتوحة وإفراد الخطيئة. وقرأ الحسن: يغفر بالياء مفتوحة والجمع المسلم. وقرأ أبو حياة: تغفر بالتاء مضمومة وبالجمع المسلم. وحكى الأهوازي أنه قرأ: خطأياكم بهمز الألف وسكون الألف الأخيرة. وحكى عنه أيضا العكس. وتوجيه هذا الهمز أنه استثقل النطق بألفين مع أن الحاجز حرف مفتوج والفتحة تنشأ عنها الألف، فكأنه اجتمع ثلاث ألفات، فهمز إحدى الألفين ليزول هذا الاستثقال، وإذ كانوا قد همزوا الألف المفردة بعد فتحه في قوله:
وخندف هامة هذا العألم فلأن يهمزوا هذا أولى، وهذا توجيه شذوذ. ومن قرأ بضم الياء أو التاء كان: خطاياكم، أو خطياتكم، أو خطيتكم مفعولا لم يسم فاعله، ومن قرأ بفتح التاء أو الياء أو بالنون، كان ذلك مفعولا، وجزم هذا الفعل لأنه جواب الأمر. وقد تقدم الكلام في نظيره في قوله تعالى: * (وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم) *، وذكرنا الخلاف في ذلك. وهنا تقدمت أوامر أربعة: * (أدخلوا) *، * (فكلوا) *، * (وادخلوا الباب) *، * (وقولوا حطة) *، والظاهر أنه لا يكون جوابا إلا للآخرين، وعليه المعنى، لأن ترتب الغفران لا يكون على دخول القرية ولا على الأكل منها، وإنما يترتب على دخول الباب لتقييده بالحال التي هي عبادة وهي السجود، وبقوله: * (وقولوا حطة) * لأن فيه السؤال بحط الذنوب، وذلك لقوة المناسبة وللمجاورة. ويدل على ترتب
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»