يقال: نبؤ، إذا ظهر فهو نبىء، وبذلك سمي الطريق الظاهر: نبيئا. فعلى هذا هو فعيل اسم فاعل من فعل، كشريف من شرف، ومن لم يهمز فقيل أصله الهمز، ثم سهل. وقيل: مشتق من نبا ينبو، إذا ظهر وارتفع، قالوا: والنبي: الطريق الظاهر، قال الشاعر:
* لما وردن نبيا واستتب بنا * مسحنفر لخطوط المسح منسحل * قال الكسائي: النبي: الطريق، سمي به لأنه يهتدي به، قالوا: وبه سمي الرسول لأنه طريق إلى الله تعالى. العصيان: عدم الانقياد للأمر والنهي والفعل، منه: عصى يعصي، وقد جاء العصى في معنى العصيان. أنشد بن حماد في تعليقه عن أبي الحسن بن الباذش مما أنشده الفراء:
في طاعة الرب وعصى الشيطان الاعتداء: افتعال من العدو، وقد مر شرحه عند قوله: * (بعضكم لبعض عدو) *.
* (وإذ قلنا ادخلوا هاذه القرية) *. القائل: هو الله تعالى، وهل ذلك على لسان موسى أو يوشع عليهما السلام، قولان: وانتصاب هذه على ظرف المكان، لأنه إشارة إلى ظرف المكان، كما تنتصب أسماء الإشارة على المصدر، وعلى ظرف الزمان إذا كن إشارة إليهما تقول: ضربت هذا الضرب، وصمت هذا اليوم. هذا مذهب سيبويه في دخل، إنها تتعدى إلى المختص من ظرف المكان بغير وساطة في، فإن كان الظرف مجازيا تعدت بفي، نحو: دخلت في غمار الناس، ودخلت في الأمر المشكل. ومذهب الأخفش والجرمي أن مثل: دخلت البيت، مفعول به لا ظرف مكان، وهي مسألة تذكر في علم النحو. والألف واللام في القرية للحضور، وانتصاب القرية على النعت، أو على عطف البيان، كما مر في إعراب الشجرة من قوله: * (ولا تقربا هاذه الشجرة) *، وإن اختلفت جهتا الإعراب في هذه، فهي في: * (ولا تقربا هاذه) * مفعول به، وهي هنا على الخلاف الذي ذكرناه.
والقرية هنا بيت المقدس، في قول الجمهور، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة والسدي والربيع وغيرهم. وقيل: أريحا، قاله ابن عباس أيضا، وهي بأرض المقدس. قال أبو زيد عمر بن شبة النمري: كانت قاعدة ومسكن ملوك، وفيها مسجد هو بيت المقدس، وفي المسجد بيت يسمى إيليا. وقال الكواشي: أريحا قرية الجبارين، كانوا من بقايا عاد، يقال لهم: العمالقة ورأسهم: عوج بن عنق، وقيل: الرملة، قاله الضحاك؛ وقيل: أيلة، وقيل: الأردن؛ وقيل: فلسطين؛ وقيل: البلقا؛ وقيل: تدمر، وقيل: مصر؛ وقيل: قرية بقرب بيت المقدس غير معينة أمروا بدخولها؛ وقيل: الشام. روي ذلك عن ابن كيسان، وقد رجح القول الأول لقوله في المائدة: * (ادخلوا الارض المقدسة) *. قيل: ولا خلاف، أن المراد في الآيتين واحد. ورد هذا القول بقوله: فبدل لأن ذلك يقتضي التعقيب في حياة موسى، لكنه مات في أرض التيه ولم يدخل بيت المقدس. وأجاب من قال إنها بيت المقدس بأن الآية ليس فيها ما يدل على أن القول كان على لسان موسى، وهذا الجواب وهم، لأنه قد تقدم أن المراد في هذه الآية وفي التي في المائدة من قوله: ادخلوا الأرض المقدسة واحد، والقائل ذلك في آية المائدة قطعا. ألا ترى إلى قوله: * (العالمين ياقوم ادخلوا الارض المقدسة) *، وقولهم: * (قالوا يأبانا * موسى أن * فيها قوما جبارين) *؟ قال وهب: كانوا قد ارتكبوا ذنوبا، فقيل لهم: * (أدخلوا) * الآية. وقال غيره: ملوا المن والسلوى، فقيل لهم: اهبطوا مصرا، وكان أول ما لقوا أريحا. وفي قوله: * (هاذه القرية) * دليل على أنهم قاربوها وعاينوها، لأن هذه إشارة لحاضر قريب. قيل: والذي قال لهم ذلك هو يوشع بن نون، فإنه نقل عنهم أنهم لم يدخلوا البيت المقدس إلا بعد رجوعهم من قتال الجبارين، ولم يكن موسى معهم