إياهم من مصر، بحيث لم يكن لفرعون ولا لقومه عليهم تسليط بعد هذا الخروج، والإنجاء، ثم فرق البحر بهم وإرائهم عيانا هذا الخارق العظيم، ثم وعد الله لموسى بمناجاته وذهابه إلى ذلك، ثم اتخاذهم العجل، ثم العفو عنهم، ثم إيتاء موسى التوراة. فانظر إلى حسن هذه الفصول التي انتظمت انتظام الدر في أسلاكها، والزهر في أفلاكها، كل فصل منها قد ختم بمناسبة، وارتقى في ذروة الفصاحة إلى أعلى مناصبه، واردا من الله على لسان محمد أمينه لسان من لم يتل من قبل كتابا ولا خطه بيمينه.
2 (* (وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذالكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم * وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون * وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) *)) 2 * (وإذ قال موسى لقومه ياقوم * قوم * إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذالكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم * وإذ قلتم ياموسى * موسى * لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون * وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) *..
القوم: اسم جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده امرؤ، وقياسه أن لا يجمع، وشذ جمعه، قالوا: أقوام، وجمع جمعه قالوا: أقاويم فقيل يختص بالرجال. قال تعالى: * (لا يسخر قوم من قوم) *، ولذلك قابله بقوله: * (ولا نساء من نساء) *. وقال زهير:
أقوم آل حصن أم نساء وقال آخر:
* قومي هم قتلوا أميم أخي * فإذا رميت يصيبني سهمي * وقال آخر:
* لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة وآفة الجزر * وقيل: لا يختص بالرجال بل ينطلق على الرجال والنساء: * (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه * فيها بغير حساب * وياقوم ما لى) *. كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، قال هذا القائل: أما إذا قامت قرينة على التخصيص فيبطل العموم ويكون المراد ذلك الشيء المخصص. والقول الأول أصوب، ويكون اندراج النساء في القوم على سبيل الاستتباع وتغليب الرجال، والمجاز خير من الاشتراك. وسمي الرجال قوما لأنهم يقومون بالأمور. البارىء: الخالق، برأ يبرأ: خلق، وفي الجمع بين الخالق والبارىء في قوله: * (هو الله الخالق البارىء المصور) *، ما يدل على التباين، إلا أن حمل على التوكيد. وقد فرق بعض الناس بينهما، فقال: البارىء هو المبدع المحدث، والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال. وقال