تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٠
عباس: الشكر طاعة الجوارح. وقال الجنيد: الشكر هو العجز عن الشكر. وقال الشبلي: التواضع تحت رؤية المنة. وقال الفضيل: أن لا تعصي الله. وقال أبو بكر الوراق أن تعرف النعمة من الله. وقال ذو النون: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان. قال القشيري: سرعة العفو عن عظيم الجرم دالة على حقارة المعفو عنه، يشهد لذلك * (من يأت منكن بفاحشة مبينة * يضاعف * لها العذاب ضعفين) *، وهؤلاء بنو إسرائيل عبدوا العجل فقال تعالى: * (ثم عفونا عنكم من بعد ذالك) *، وقال لهذه الأمة: * (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *، انتهى كلامه. وناسب ترجي الشكر إثر ذكر العفو، لأن العفو عن مثل هذه الزلة العظيمة التي هي اتخاذ العجل إلها هو من أعظم، أو أعظم إسداء النعم، فلذلك قال: * (لعلكم تشكرون) *.
* (وإذ ءاتينا موسى الكتاب) *: هو التوراة بإجماع المفسرين. * (والفرقان) *: هو التوراة، ومعناه أنه آتاه جامعا بين كونه كتابا وفرقانا بين الحق والباطل، ويكون من عطف الصفات، لأن الكتاب في الحقيقة معناه: المكتوب، قاله الزجاج، واختاره الزمخشري، وبدأ بذكره ابن عطية قال: كرر المعنى لاختلاف اللفظ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل، ولفظة كتاب لا تعطي ذلك، أو الواو مقحمة، أي زائدة، وهو نعت للكتاب، قال الشاعر:
* إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم * قاله الكسائي، وهو ضعيف، وإنما قوله، وابن الهمام، وليث: من باب عطف الصفات بعضها على بعض. ولذلك شرط، وهو أن تكون الصفات مختلفة المعاني، أو النصر، لأنه فرق بين العدو والولي في الغرق والنجاة، ومنه قيل ليوم بدر: يوم الفرقان، قاله ابن عباس، أو سائر الآيات التي أوتي موسى على نبينا وعلة السلام من العصا واليد وغير ذلك، لأنها فرقت بين الحق والباطل، أو الفرق بين الحق والباطل، قاله أبو العالية ومجاهد، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام، أو البرهان الفارق بين الكفر والإيمان، قاله ابن بحر وابن زيد، أو الفرج من الكرب لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط، ومنه قوله تعالى: * (يجعل لكم فرقانا) *، أي فرجا ومخرجا. وهذا القول راجع لمعنى النصر أو القرآن. والمعنى أن الله آتى موسى ذكر نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم) حتى آمن به، حكاه ابن الأنباري، أو القرآن على حذف مفعول، التقدير: ومحمدا الفرقان، وحكي هذا عن الفراء وقطرب وثعلب، وقالوا: هو كقول الشاعر:
وزججن الحواجب والعيونا التقدير: وكحلن العيون. ورد هذا القول مكي والنحاس وجماعة، لأنه لا دليل على هذا المحذوف، ويصير نظير
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»