أطعمت زيدا خبزا ولحما، ويكون: اللحم أطعمته غير زيد، ولأن الأصل في العطف أنه يشارك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم السابق، إذا كان العطف بالحروف المشتركة في ذلك، وليس مثل ما مثلوا به من: وزججن الحواجب والعيون، لما هو مذكور في النحو. وقد جاء: * (ولقد ءاتينا موسى وهارون الفرقان وضياء) *، وذكروا جميع الآيات التي آتاها الله تعالى موسى لأنها فرقت بين الحق والباطل، أو انفراق البحر، قاله يمان وقطرب، وضعف هذا القول بسبق ذكر فرق البحر في قوله: * (وإذ فرقنا) *، وبذكر ترجية الهداية عقيب الفرقان، ولا يليق إلا بالكتاب. وأجيب بأنه، وإن سبق ذكر الانفلاق، فأعيد هنا ونص عليه بأنه آية لموسى مختصة به، وناسب ذكر الهداية بعد فرق البحر لأنه من الدلائل التي يستدل بها على وجود الصانع وصدق موسى على نبينا وعليه السلام، وذلك هو الهداية، أو لأن المراد بالهداية النجاة والفوز، وبفرق البحر حصل لهم ذلك فيكون قد ذكر لهم نعمة الكتاب الذي هو أصل الديانات لهم، ونعمة النجاة من أعدائهم. فهذه اثنتا عشرة مقالة للمفسرين في المراد بالفرقان هنا..
* (لعلكم تهتدون) *: ترجية لهدايتهم، وقد تقدم الكلام في لعل. وفي لفظ ابن عطية في لعل هنا، وفي قوله قيل: * (لعلكم تشكرون) *، أنه توقع، والذي تقرر في النحو أنه إن كان متعلق لعل محبوبا، كانت للترجي، فإن كان محذورا، كانت للتوقع، كقولك: لعل العدو يقدم. والشكر والهداية من المحبوبات، فينبغي أن لا يعبر عن معنى لعل هنا إلا بالترجي. قال القشيري: فرقان هذه الأمة الذي اختصوا به نور في قلوبهم، يفرقون به بين الحق والباطل: استفت قلبك، اتقوا فراسة المؤمن. المؤمن ينظر بنور الله * (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) *، وذلك الفرقان ما قدموه من الإحسان، انتهى كلامه. وناسب ترجي الهداية إثر ذكر إتيان موسى الكتاب والفرقان، لأن الكتاب به تحصل الهداية * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) *، * (ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى) *، * (وقفينا علىءاثارهم بعيسى ابن) *. وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة من ذكر الامتنان على بني إسرائيل فصولا منها: فرق البحر بهم على الوجه الذي ذكر من كونه صار اثني عشر مسلكا على عدد الأسباط وبين كل سبط حاجز يمنعهم من الازدحام دون أن يلحقهم في ذلك استيحاش، لأنه صار في كل حاجز كوى بحيث ينظر بعضهم إلى بعض على ما نقل، وهو من أعظم الآيات الدالة على صدق موسى على نبينا وعليه السلام، وهذا الفرق هو النعمة الثالثة، لأن الأولى هي التفضيل، والثانية هي الإنجاء من آل فرعون، والثالثة هي هذا الفرق وما ترتب عليه من إنجائهم من الغرق وإغراق أعدائهم وهم بنظرون بحيث لا يشكون في هلاكهم. ثم استطرد بعد ذلك إلى ذكر النعمة الرابعة، وهي العفو عن الذنب العظيم الذي ارتكبوه من عبادة العجل، فذكر سبب ذلك، وأنه اتفق ذلك لغيبة موسى عنهم لمناجاة ربه، وأنهم على قصر مدة غيبته انخدعوا بما فعله السامري هذا، ولم يطل عليهم الأمد، وخليفة موسى فيهم أخوه هارون ينهاهم فلا ينتهون، ومع هذه الزلة العظيمة عفا عنهم وتاب عليهم، فأي نعمة أعظم من هذه؟ ثم ذكر النعمة الخامسة، وهي ثمرة الوعد، وهو إتيان موسى التوراة التي بها هدايتهم، وفيها مصالح دنياهم وآخرتهم. وجاء ترتيب هذه النعم متناسقا يأخذ بعضه بعنق بعض، وهو ترتيب زماني، وهو أحد الترتيبات الخمس التي مر ذكرها في هذا الكتاب، لأن التفضيل أمر حكمي، فهو أول ثم وقعت النعم بعده، وهي أفعال يتلو بعضها بعضا. فأولها الإنجاء من سوء العذاب، ذبح الأبناء واستحياء النساء بإخراج موسى