تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٥٥
عفا: بمعنى كثر، فلا يتعدى حتى عفوا، وقالوا: وبمعنى درس، فيكون لازما متعديا نحو: عفت الديار، ونحو: عفاها الريح، وعفا عن زيد: لم يؤاخذه بجريمته، واعفوا عن اللحى، أي اتركوها ولا تأخذوا منها شيئا، ورجل عفو، والجمع عفو على فعل بإسكان العين، وهو جميع شاذ، والعفاء: الشعر الكثير، قال الشاعر:
عليه من عقيقته عفاء ويقال في الدعاء على الشخص: عليه العفاء، قال:
على آثار من ذهب العفاء يريد الدروس، وتأتي عفا: بمعنى سهل من قولهم: خذ ما عفا وصفا، وأخذت عفوه: أي ما سهل عليه، * (ماذا ينفقون قل العفو) *: أي الفضل الذي يسهل إعطاؤه، ومنه: خذ العفو، أي السهل على أحد الأقوال، والعافية: الحالة السهلة السمحة. الشكر: الثناء على إسداء النعم، وفعلة: شكر يشكرشكرا وشكورا، ويتعدى لواحد تارة بنفسه وتارة بحرف جر، وهو من ألفاظ مسموعة تحفظ ولا يقاس عليها، وهو قسم برأسه، تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف جر على حد سواء، خلافا لمن زعم استحالة ذلك. وكان شيخنا أبو الحسين بن أبي الربيع يذهب إلى أن شكر أصله أن يتعدى بحرف جر، ثم أسقط اتساعا. وقيل: الشكر: إظهار النعمة من قولهم: شكرت الرمكة مهرها إذا أظهرته، والشكير: صغار الورق يظهر من أثر الماء، قال الشاعر:
* وبينا الفتى يهتز للعيش ناضرا * كعسلوجة يهتز منها شكيرها * وأول الشيب، قال الراجز:
* ألان ادلاج بك العتير * والرأس إذ صار له شكير * وناقة شكور تذر أكثر مما رعت الفرقان: مصدر فرق، وتقدم الكلام في فرق.
* (وإذ فرقنا بكم البحر) *: معطوف على: وإذ نجيناكم فالعامل فيه ما ذكر أنه العامل في إذ تلك بواسطة الحرف. وقرأ الزهري: فرقنا بالتشديد، ويفيد التكثير لأن المسالك كانت اثني عشر مسلكا على عدد أسباط بني إسرائيل. ومن قرأ: فرقنا مجردا، اكتفى بالمطلق، وفهم التكثير من تعداد الأسباط. بكم: متعلق بفرقنا، والباء معناها: السبب، أي بسبب دخولكم، أو المصاحبة: أي ملتبسا، كما قال:
تدوس بنا الجماجم والتريبا أي ملتبسة بنا، أو: أي جعلناه فرقا بكم كما يفرق بين الشيئين بما توسط بينهما، وهو قريب من معنى الاستعانة، أو معناها اللام، أي فرقنا لكم البحر، أي لأجلكم، ومعناها راجع للسبب. ويحتمل الفرق أن يكون عرضا من ضفة إلى ضفة، ويحتمل أن يكون طولا، ونقل كل: وعلى هذا الثاني قالوا: كان ذلك بقرب من موضع النجاة، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال وأوعار حائلة. وذكر العامري: أن موضع خروجهم من البحر كان قريبا من برية فلسطين،
(٣٥٥)
مفاتيح البحث: الشكر (2)، العفو (1)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»