وهي كانت طريقهم. البحر: قيل هو بحر القلزم من بحار فارس، وكان بين طرفيه أربعة فراسخ، وقيل: من بحر من بحار مصر يقال له أساف، ويعرف الآن ببحر القلزم، قيل: وهو الصحيح، ولم يختلفوا في أن فرق البحر كان بعدد الأسباط، اثنى عشر مسلكا. واختلفوا في عدد المفروق بهم، وعدد آل فرعون، على أقوال يضاد بعضها بعضا، وحكوا في كيفية خروج بني إسرائيل، وتعنتهم وهم في البحر مقتحمون، وفي كيفية خروج فرعون بجنوده، حكايات مطولة جدا لم يدل القرآن ولا الحديث الصحيح عليها، فالله أعلم بالصحيح منها.
* (فأنجيناكم) *: يعني من الغرق، ومن أدراك فرعون لكم واليوم الذي وقع فيه الفرق والنجاة والغرق كان يوم عاشوراء؟ واستطردوا إلى الكلام في يوم عاشوراء، وفي صومه، وهي مسألة تذكر في الفقه. وبين قوله: * (فرقنا بكم البحر) *، وبين قوله: * (فأنجيناكم) * محذوف يدل عليه المعنى تقديره: وإذ فرقنا بكم البحر وتبعكم فرعون وجنوده في تقحمه فأنجيناكم. * (وإذ فرقنا بكم) * والهمزة في أغرقنا للتعدية، ويعدى أيضا بالتضعيف. ولم يذكر فرعون فيمن غرق، لأن وجوده معهم مستقر، فاكتفى بذكر الآل هنا، لأنهم هم الذين ذكروا في الآية قبل هذه، ونسب تلك الصفة القبيحة إليهم من سومهم بني إسرائيل العذاب، وذبحهم أبناءهم، واستحيائهم نساءهم، فناسب هذا إفرادهم بالغرق. وقد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر، منها: * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم) *، * (حتى إذا أدركه الغرق) *، * (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) *. وناسب نجاتهم من فرعون بإلقائهم في البحر وخروجهم منه سالمين، نجاة نبيهم موسى على نبينا وعليه السلام من الذبح، بإلقائه وهو طفل في البحر، وخروجه منه سالما. ولكل أمة نصيب من نبيها. وناسب هلاك فرعون وقومه بالغرق، هلاك بني إسرائيل على أيديهم بالذبح، لأن الذبح فيه تعجيل الموت بأنهار الدم، والغرق فيه إبطاء الموت، ولا دم خارج، وكان ما به الحياة * (وجعلنا من الماء كل شىء حى) * سببا لإعدامهم من الوجود. ولما كان الغرق من أعسر الموتات وأعظمها شدة، جعله الله تعالى نكالا لمن ادعى الربوبية، فقال: * (أنا ربكم الاعلى) *، إذ على قدر الذنب يكون العقاب، ويناسب دعوى الربوبية والاعتلاء انحطاط المدعى وتغييبه في قعر الماء.
* (وأنتم تنظرون) *: جملة حالية، وهو من النظر: بمعنى الإبصار. والمعنى، والله أعلم: أن هذه الخوارق العظيمية من فرق البحر بكم، وإنجائكم من الغرق، ومن أعدائكم، وإهلاك أعدائكم بالغرق، وقع وأنتم تعاينون ذلك وتشاهدونه، لم يصل ذلك إليكم بنقل، بل بالمشاهدة التي توجب العلم الضروري بأن ذلك خارق من عند الله تعالى على يد النبي الذي جاءكم. وقيل: وأنتم تنظرون إليهم لقرب بعض من بعض، وقيل: إلى طفوهم على وجه الماء غرقى. وقيل: إليهم وقد لفظهم البحر وهم العدد الذي لا يكاد ينحصر، لم يترك البحر في جوفه منهم واحدا. وقيل: تنظرون أي بعضكم إلى بعض وأنتم سائرون في البحر، وذلك أنه نقل أن بعض قوم موسى قالوا له: أين أصحابنا؟ فقال: سيروا، فإنهم على طريق مثل طريقكم، قالوا: لا نرضى حتى نراهم، فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا، فقال بها على الحيطان، فصار بها كوى، فتراءوا وتسامعوا كلام بعضهم بعضا. وهذه الأقوال الخمسة النظر فيها بمعنى الرؤية، وقيل: النظر تجوز به عن القرب، أي وأنتم بالقرب منهم، أي بحال لو نظرتم إليهم لرأيتموهم كقولهم: أنت مني بمرأى ومسمع، أي قريب بحيث أراك وأسمعك، قاله ابن الأنباري. وقيل: هو من نظر البصيرة والعقل، ومعناه: وأنتم تعتبرون بمصرعهم وتتعظون بمواقع النقمة التي أرسلت إليهم. وقيل: النظر هنا بمعنى العلم، لأن العلم يحصل عن النظر، فكنى به عنه، قاله الفراء، وهو معنى قول ابن عباس.
* (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) * قرأ الجمهور: واعدنا، وقرأ أبو عمرو: وعدنا بغير ألف هنا، وفي الأعراف وطه، ويحتمل واعدنا: أن يكون بمعنى وعدنا، ويكون صدر من واحد، ويحتمل أن يكون من اثنين على أصل المفاعلة، فيكون الله قد وعد موسى الوحي، ويكون موسى وعد الله المجيء للميقات، أو يكون الوعد من الله وقبوله كان من موسى، وقبول الوعد يشبه الوعد. قال القفال: ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله بمعنى يعاهده. وقيل: وعد إذا كان عن غير طلب، وواعد إذا كان عن طلب. وقد رجح أبو عبيد