أوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى وعاد الضمير على الله في القولين لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وإن لم يتقدم ذكره فهو كقوله إنا أنزلناه في ليلة القدر الثالث أوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى وفي قوله ما أوحى إبهام مراد يقتضي التفخيم والتعظيم * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بعينه بل صدق بقلبه أن الذي رآه بعينه حق والذي رأى هو جبريل يعني حين رآه بمقدار ملأ الأفق وقيل رأى ملكوت السماوات والأرض والأول أرجح لقوله * (ولقد رآه نزلة أخرى) * وقيل الذي رآه هو الله تعالى وقد أنكرت ذلك عائشة وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال نوراني أراه * (أفتمارونه على ما يرى) * هذا خطاب لقريش والمعنى أتجادلونه على ما يرى وكانت قريش قد كذبت لما قال إنه رأى ما رأى * (ولقد رآه نزلة أخرى) * هذا لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام مرة أخرى وهو ليلة الإسراء وقيل ضمير المفعول لله تعالى وأنكرت ذلك عائشة وقالت من زعم أن محمدا رأى ربه ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على الله تعالى * (عند سدرة المنتهى) * هي شجرة في السماء السابعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمرتها كالقلال وورقها كآذان الفيلة وسميت سدرة المنتهى لأن إليها ينتهي علم كل عالم ولا يعلم ما وراءها إلا الله تعالى وقيل سميت بذلك لأن ما نزل من أمر الله يلتقي عندها فلا يتجاوزها ملائكة العلو إلى أسفل ولا يتجاوزها ملائكة السفل إلى أعلى * (عندها جنة المأوى) * يعني أن الجنة التي وعدها الله عباده هي عند سدرة المنتهى وقيل هي جنة أخرى تأوى إليها أرواح الشهداء والأول أظهر وأشهر * (إذ يغشى السدرة ما يغشى) * فيه إبهام لقصد التعظيم قال ابن مسعود غشيها فراش من ذهب وقيل كثرة الملائكة وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فغشيها ألوان لا أدري ما هي وهذا أولى أن تفسر به الآية * (ما زاغ البصر وما طغى) * أي ما زاغ بصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عما رآه من العجائب بل أثبتها وتيقنها وما طغى أي ما تجاوز ما رأى إلى غيره * (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * يعني ما رأى ليلة الإسراء من السماوات والجنة والنار والملائكة والأنبياء وغير ذلك ويحتمل أن تكون الكبرى مفعولا أو نعتا لآيات ربه والمعنى يختلف على ذلك * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * هذه أوثان كانت تعبد من دون الله فخاطب الله من كان يعبدها من العرب على وجه التوبيخ لهم وقال ابن عطية الرؤيا هنا رؤية العين لأن الأوثان المذكورة أجرام مرئية فأما اللات فصنم كان بالطائف وقيل كان بالكعبة وأما العزى فكانت صخرة بالطائف وقيل شجرة فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها تدعو بالويل فضربها بالسيف حتى قتلها وقيل كانت بيتا تعظمه العرب وأصل لفظ العزى مؤنثة الأعز وأما مناة فصخرة كانت لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة وكانت أعظم هذه الأوثان قال ابن عطية ولذلك قال تعالى الثالثة الأخرى فأكدها بهاتين الصفتين وقال الزمخشري الأخرى ذم وتحقير أي المتأخرة
(٧٦)