التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٣٩
آمنوا) أم هنا للإنكار واجترحوا اكتسبوا والمراد بالذين اجترحوا السيئات الكفار لمقابلته بالذين آمنوا ولأن الآية مكية وقد يتناول لفظها المذنبين من المؤمنين ولذلك يذكر أن الفضيل بن عياض قرأها بالليل فما زال يرددها ويبكي طول الليل ويقول لنفسه من أي الفريقين أنت ومعناها إنكار ما حسبه الكفار من أن يكونوا هم والمؤمنون سواء في المحيا والممات وفي تأويلها مع ذلك قولان أحدهما أن المراد ليس المؤمنون سواء مع الكفار لا في المحيا ولا في الممات فإن المؤمنين عاشوا على التقوى والطاعة والكفار عاشوا على الكفر والمعصية وكذلك ملتهم ليست سواء والقول الآخر أنهم استووا في المحيا في أمور الدنيا من الصحة والرزق فلا يستوون في الممات بل يسعد المؤمنون ويشقى الكافرون فالمراد بها إثبات الجزاء في الآخرة وتفضيل المؤمنين على الكافرين في الآخرة وهذا المعنى هو الأظهر والأرجح فيكون معنى الآية كقوله * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) * وكقوله * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * * (سواء محياهم ومماتهم) * هذه الجملة بدل من الكاف في قوله كالذين آمنوا وهي مفسرة للتشبيه وهي داخلة فيما أنكره الله مما حسبه الكفار وقيل هي كلام مستأنف والمعنى على هذا أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء وأن محيا الكفار ومماتهم سواء لأن كل واحد يموت على ما عاش عليه وهذا المعنى بعيد والصحيح أنها من تمام ما قبلها على المعنى الذي اخترناه وأما إعرابها فمن قرأ سواء بالرفع فهو مبتدأ وخبره محياهم ومماتهم والجملة بدل من الجار والمجرور الواقع مفعولا ثانيا لنجعل ومن قرأ سواء بالنصب فهو حال أو مفعول ثان لنجعل ومحياهم فاعل بسواء لأنه في معنى مستوى * (ساء ما يحكمون) * أي ساء حكمهم في تسويتهم بين أنفسهم وبين المؤمنين * (لتجزى كل نفس بما كسبت) * معطوف على قوله بالحق لأن فيه معنى التعليل أو على تعليل محذوف تقديره خلق الله السماوات والأرض ليدل بهما على قدرته ولتجزى كل نفس بما كسبت * (اتخذ إلهه هواه) * أي أطاعة حتى صار له كالإله * (وأضله الله على علم) * أي على علم من الله سابق وقيل على علم من هذا الضال بأنه على ضلال ولكنه يتبع الضلال معاندة * (ختم) * ذكر في البقرة * (فمن يهديه من بعد الله) * قال ابن عطية فيه حذف مضاف تقديره من بعد إضلال الله إياه ويحتمل أن يريد فمن يهديه غير الله * (وقالوا) * الضمير لمن إتخد إلهه هواه أو لقريش * (نموت ونحيا) * فيه أربع تأويلات أحدها أنهم أرادوا يموت قوم ويحيا قوم والآخر نموت نحن ويحيا أولادنا الثالث نموت حين كنا عدما أو نطفا ونحيا في الدنيا والرابع نموت الموت المعروف ونحيا قبله في الدنيا فوقع في اللفظ تقديم وتأخير ومقصودهم على كل وجه إنكار الآخرة ويظهر أنهم كانوا على مذهب الدهرية
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»