التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ٥
بالضر والخير وكذلك ما بعد هذا من الأوصاف براهين ورد على المشركين " قل أي شئ أكبر شهادة " سؤال يقتضي جوابا ينبني عليه المقصود وفيه دليل على أن الله يقال فيه شيء لكن ليس كمثله شيء * (قل الله شهيد بيني وبينكم) * يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الله مبتدأ وشهيد خبره والآخر أن يكون تمام الجواب عند قوله قل الله بمعنى أن الله أكبر شهادة ثم يبتدئ على تقدير هو شهيد بيني وبينكم والأول أرجح لعدم الإضمار والثاني أرجح لمطابقته للسؤال لأن السؤال بمنزلة من يقول من أكبر الناس فيقال في الجواب فلان وتقديره فلان أكبر والمقصود بالكلام استشهاد بالله الذي هو أكبر شهادة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهادة الله بهذا هي علمه بصحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإظهار معجزته الدالة على نبوته * (ومن بلغ) * عطف على ضمير المفعول في لأنذركم والفاعل يبلغ ضمير القرآن والمفعول محذوف يعود على من تقديره ومن بلغه والمعنى أوحي إلي هذا القرآن لأنذر به المخاطبين وهم أهل مكة وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم إلى يوم القيامة قال سعيد ابن جبير من بلغه القرآن فكأنما رأى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقيل المعنى ومن بلغ الحلم وهو بعيد " قل أئنكم لتشهدون " الآية تقرير للمشركين على شركهم ثم تبرأ من ذلك بقوله لا أشهد ثم شهد الله بالوحدانية وروي انها نزلت بسبب قوم من الكفار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ما تعلم مع الله إلها آخر * (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) * تقدم في البقرة * (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) * الذين مبتدأ وخبره فهم لا يؤمنون وقيل الذين نعت للذين آتيناهم الكتاب وهو فاسد لأن الذين أوتوا الكتاب ما استشهد بهم هنا إلا ليقيم الحجة على الكفار * (ومن أظلم) * لفظه استفهام ومعناه لا أحد أظلم * (ممن افترى على الله) * وذلك تنصل من الكذب على الله وإظهار لبراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما نسبوه إليه من الكذب ويحتمل أن يريد بالافتراء على الله ما نسب إليه الكفار من الشركاء والأولاد " أوكذب بآياته " أي علاماته وبراهينه * (أين شركاؤكم) * يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ * (تزعمون) * أي تزعمون أنهم آلهة فحذفه لدلالة المعنى عليه والعامل في يوم نحشرهم محذوف * (ثم لم تكن فتنتهم) * الفتنة هنا تحتمل أن تكون بمعنى الكفر أي لم تكن عاقبة كفرهم إلا جحوده والتبرؤ منه وقيل فتنتهم معذرتهم وقيل كلامهم وقرئ فتنتهم بالنصب على خبر كان واسمها أن قالوا وقرئ بالرفع على اسم كان وخبرها أن قالوا * (والله ربنا ما كنا مشركين) * جحود لشركهم فإن قيل كيف يجحدونه وقد قال الله ولا يكتمون الله حديثا فالجواب أن ذلك يختلف باختلاف طوائف الناس واختلاف المواطن فيكتم قوم ويقر آخرون ويكتمون في موطن ويقرون في موطن آخر لأن يوم القيامة طويل وقد قال ابن عباس لما سئل عن هذا السؤال إنهم جحدوا طمعا في النجاة فختم الله على أفواههم وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثا " ومنهم من
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»