أي لا تسأل أحدا من أهل الكتاب عن أصحاب الكهف لأن الله قد أوحى إليك في شأنهم ما يغنيك عن السؤال " ولا تقولون لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله " سببها أن قريشا سألوا اليهود عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمان الأول وهم أصحاب الكهف وعن رجل بلغ مشارق الأرض ومغاربها وهو ذو القرنين وعن الروح فإن أجابكم في الاثنين وسكت عن الروح فهو نبي فسألوه فقال غدا أخبركم ولم يقل إن شاء الله فأمسك عنه الله الوحي خمسة عشر يوما فأوجف به كفار قريش وتكلموا في ذلك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء جبريل بسورة الكهف فقص عليه فيها قصة أصحاب الكهف وذي القرنين وأنزل الله عليه هذه الآية تأديبا لهم وتعليما فأمره بالاستثناء بمشيئة الله في كل أمر يريد أن يفعله فيما يستقبل وقوله غدا يريد به الزمان المستقبل لا اليوم الذي بعد يومه خاصة وفي الكلام حذف يقتضيه المعنى وتقديره ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول إن شاء الله أو تقول إلا أن يشاء الله والمعنى أن يعلق الأمر بمشيئة الله وحوله وقوته ويبرأ هو من الحول والقوة وقيل إن قوله إلا أن يشاء الله بقوله لا تقولن والمعنى لا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه فالمشيئة على هذا راجعة إلى القول لا إلى الفعل ومعناها إباحة القول بالإذن فيه حكى ذلك الزمخشري وحكاه ابن عطية وقال إنه من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكي * (واذكر ربك إذا نسيت) * قال ابن عباس الإشارة بذلك إلى الاستثناء أي استثن بعد مدة إذا نسيت الاستثناء أولا وذلك على مذهبه فإن الاستثناء في اليمين ينفع بعد سنة وأما مذهب مالك والشافعي فإنه لا ينفع إلا إن كان متصلا باليمين وقيل معنى الآية اذكر ربك إذا غضبت وقيل اذكر إذا نسيت شيئا ليذكرك ما نسيت والظاهر أن المعنى اذكر ربك إذا نسيت ذكره أي ارجع إلى الذكر إذا غفلت عنه واذكره في كل حال ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه * (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) * هذا كلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله والإشارة بهذا إلى خبر أصحاب الكهف أي عسى الله أن يؤتيني من الآيات والحجج ما هو أعظم في الدلالة على نبوتي من خبر أصحاب الكهف واللفظ يقتضي أن المعنى عيني أن يوفقني الله تعالى من العلوم والأعمال الصالحات لما هو أرشد من خير أصحاب أهل الكهف وأقرب إلى الله وقيل إن الإشارة بهذا إلى المنسي أي إذا نسيت شيئا فقل عسى أن يهديني الله إلى شيء آخر هو أرشد من المنسي * (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) * في هذا قولان أحدهما أنه حكاية عن أهل الكتاب يدل على ذلك ما في قراءة ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم وهو معطوف على سيقولون ثلاثة فقوله * (قل الله أعلم بما لبثوا) * رد عليهم في هذا العدد المحكي عنهم والقول الثاني أنه من كلام الله تعالى وأنه بيان لما أجمل في قوله فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ومعنى قوله قل الله أعلم بما لبثوا على هذا أنه أعلم من الذين اختلفوا فيهم وقد أخبر بمدة لبثهم فإخباره هو الحق لأنه أعلم من الناس وكان قوله قل الله أعلم احتجاجا على صحة ذلك
(١٨٦)