صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه * (لو تسوى بهم الأرض) * أي يتمنون أن يدفنوا فيها ثم تسوى بهم كما تسوى بالموتى وقيل يتمنون أن يكونوا سواء مع الأرض كقوله * (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) * وذلك لما يرون من أهوال يوم القيامة * (ولا يكتمون الله حديثا) * استئناف إخبار أنهم لا يكتمون يوم القيامة عن الله شيئا فإن قيل كيف هذا مع قولهم * (والله ربنا ما كنا مشركين) * فالجواب من وجهين أحدهما أن الكتم لا ينفعهم لأنهم إذا كتموا تنطق جوارحهم فكأنهم لم يكتموا والآخر أنهم طوائف مختلفة ولهم أوقات مختلفة وقيل إن قوله ولا يكتمون عطف على تسوى أي يتمنون أن لا يكتموا لأنهم إذا كتموا افتضحوا " ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " سببها أن جماعة من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها ثم قاموا إلى الصلاة وأمهم أحدهم فخلط في القراءة فمعناها النهي عن الصلاة في حال السكر قال بعض الناس هي منسوخة بتحريم الخمر وذلك لا يلزم لأنها ليس فيها ما يقتضي إباحة الخمر وإنما هي نهي عن الصلاة في حال السكر وذلك الحكم الثابت في حين إباحة الخمر وفي حين تحريمها وقال بعضهم معناها لا يكن منكم سكر يمنع قرب الصلاة إذ المرء مأمور بالصلاة فكأنها تقتضي النهي عن السكر وعن سببه وهو الشرب وهذا بعيد من مقتضى اللفظ * (حتى تعلموا ما تقولون) * حتى تعود إليكم عقولكم فتعلمون ما تقرؤن ويظهر من هذا أن السكران لا يعلم ما يقول فأخذ بعض الناس من ذلك أن السكران لا يلزم طلاقه ولا إقراره * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * عطف ولا جنبا على موضع وأنتم سكارى إذ هو في موضع الحال والجنب هنا غير الطاهر بإنزال أو إيلاج وهو واقع على جماعة بدليل استثناء الجمع منه واختلف في عابري سبيل فقيل إنه المسافر ومعنى الآية على هذا نهى أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا في السفر فيصلي بالتيمم دون اغتسال فمقتضى الآية إباحة التيمم للجنب في السفر ويؤخذ إباحة التيمم للجنب في الحضر من الحديث وقيل عابر السبيل المار في المسجد والصلاة هنا يراد بها المسجد لأنه موضع الصلاة فمعنى الآية على هذا النهي أن يقرب المسجد الجنب إلا خاطرا عليه وعلى هذا أخذ الشافعي بأنه يجوز للجنب أن يمر في المسجد ولا يجوز له أن يقعد فيه ومنع مالك المرور والقعود وأجازهما داود * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * الآية سببها عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع فأبيح لهم التيمم لعدم الماء ثم إن عدم الماء على ثلاثة أوجه أحدهما عدمه في السفر والثاني عدمه في المرض فيجوز التيمم في هذين الوجهين بإجماع لأن الآية نص في المرض والسفر إذا عدم الماء فيهما لقوله وإن كنتم مرضى أو على سفر ثم قال فلم تجدوا ماء الوجه الثالث عدم الماء في الحضر دون مرض فاختلف الفقهاء فيه فمذهب أبو حنيفة أنه لا يجوز فيه التيمم لأن ظاهر الآية أن عدم الماء إنما يعتبر مع المرض أو السفر ومذهب مالك والشافعي أنه يجوز فيه التيمم فإن قلنا إن الآية لا تقتضيه فيؤخذ جوازه من السنة وإن قلنا إن الآية تقتضيه فيؤخذ جوازه منها وهذا هو الأرجح إن شاء الله وذلك أنه ذكر في أول الآية المرض والسفر ثم ذكر الإحداث دون مرض ولا سفر ثم قال بعد ذلك كله فلم تجدوا ماء فيرجع قوله فلم تجدوا ماء إلى المرض وإلى السفر وإلى من أحدث في غير مرض ولا سفر فيجوز التيمم على هذا لمن عدم الماء في غير مرض ولا سفر فيكون في الآية حجة لمالك والشافعي ويجوز التيمم أيضا في مذهب مالك للمريض إذا وجد الماء ولم يقدر على استعماله لضرر بدنه فإن قلنا إن الآية لا تقتضيه فيؤخذ جوازه من السنة وإن قلنا إن السنة تقتضيه فيؤخذ جوازه منها
(١٤٢)