على أن يتناول قوله إن كنتم مرضى أن معناه مرضى لا تقدرون على مس الماء وحد المرض الذي يجوز فيه التيمم عند مالك هو أن يخاف الموت أو زيادة المرض أو تأخر البرء وعند الشافعي خوف الموت لا غير وحد السفر الغيبة عن الحضر كان مما تقصر فيه الصلاة أم لا * (أو جاء أحد منكم) * في أو هنا تأويلان أحدهما أن تكون للتفصيل والتنويع على بابها والآخر أنها بمعنى الواو فعلى القول بأنها على بابها يكون قوله فلم تجدوا ماء راجعا إلى المريض والمسافر وإلى من جاء من الغائط وإلى من لامس سواه كانا مريضين أو مسافرين أم حسبما ذكرنا قبل هذا فيقتضي ذلك جواز التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء وهو مذهب مالك والشافعي فيكون في الآية حجة لهما وعلى القول بأنها بمعنى الواو يكون قوله * (فلم تجدوا ماء) * راجعا إلى المريض والمسافر فيقتضي ذلك أنه لا يجوز التيمم إلا في المرض والسفر مع عدم الماء وأنه لا يجوز للحاضر الصحيح إذا عدم الماء ولكن يؤخذ جواز التيمم له من موضع آخر والراجح أن تكون أو على بابها لوجهين أحدهما أن جعلها بمعنى الواو إخراج لها عن أصلها وذلك ضعيف والآخر إن كانت على بابها كان فيها فائدة إباحة التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء على ما ظهر لنا فيها وإذا كانت بمعنى الواو لم تعط هذه الفائدة وحجة من جعلها بمعنى الواو أنه لو جعلها على بابها لاقتضى المعنى أن المرض والسفر حدث يوجب الوضوء كالغائط لعطفه عليها وهذا لا يلزم لأن العطف بأو هنا للتنويع والتفصيل ومعنى الآية كأنه قال يجوز لكم التيمم إذا لم تجدوا ماء إن كنتم مرضى أو على سفر وأحدثتم في غير مرض ولا سفر * (الغائط) * أصله المكان المنخفض وهو هنا كناية عن الحدث الخارج من المخرجين وهو العذرة والريح والبول لأن من ذهب إلى الغائط يكون منه هذه الأحداث الثلاث وقيل إنما هو كناية عن العذرة وأما البول والريح فيؤخذ وجوب الوضوء لهما من السنة وكذلك الودي والمذي * (أو لامستم النساء) * اختلف في المراد بالملامسة هنا على ثلاثة أقوال أحدها أنها الجماع وما دونه من التقبيل واللمس باليد وغيرها وهو قول مالك فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس الذي هو دون الجماع على تفصيل في المذهب ويجب معه التيمم إذا عدم الماء ويكون الجنب من أهل التيمم والقول الثاني أنها ما دون الجماع فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس ولا يجوز التيمم للجنب وقد قال بذلك عمر بن الخطاب ويؤخذ جوازه من الحديث والثالث أنها الجماع فعلى هذا يجوز التيمم للجنب ولا يكون ما دون الجماع ناقضا للوضوء وهو مذهب أبي حنيفة * (فلم تجدوا ماء) * هذا يفيد وجوب طلب الماء وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة فإن وجده بثمن فاختلف هل يجوز له التيمم أم لا وإن وهب له فاختلف هل يلزم قبوله أم لا * (فتيمموا) * التيمم في اللغة القصد وفي الفقه الطهارة بالتراب وهو منقول من المعنى اللغوي * (صعيدا طيبا) * الصعيد عند مالك هو وجه الأرض كان ترابا أو رملا أو حجارة فأجاز التيمم بذلك كله وهو عند الشافعي التراب لا غير والطيب هنا الطاهر واختلف في التيمم بالمعادن كالذهب وبالملح وبالتراب المنقول كالمجعول في طبق بالآجر وبالجص المطبوخ وبالجدار وبالنبات الذي على وجه الأرض وذلك كله على الاختلاف في معنى الصعيد * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * لا يكون التيمم إلا في هذين العضوين ويقدم الوجه على اليدين لظاهر
(١٤٣)