أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر). فكانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله. قال علماؤنا: وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن، فإنهما يبصران من مشكاة واحدة. وفي الموطأ وغيره من حديث ابن عباس:
بت عند خالتي ميمونة حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا. وذكر الحديث.
السابعة - اختلف العلماء في الناسخ للامر بقيام الليل، فعن ابن عباس وعائشة أن الناسخ للامر بقيام الليل قوله تعالى: " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل " [المزمل: 20] إلى آخر السورة. وقيل قوله تعالى: " علم أن لن تحصوه " [المزمل: 20]. وعن ابن عباس أيضا:
هو منسوخ بقوله تعالى: " علم أن سيكون منكم مرضى " [المزمل: 20]. وعن عائشة أيضا والشافعي ومقاتل وابن كيسان: هو منسوخ بالصلوات الخمس. وقيل الناسخ لذلك قوله تعالى:
" فاقرءوا ما تيسر منه " [المزمل: 20]. قال أبو عبد الرحمن السلمي: لما نزلت: " يا أيها المزمل " قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، ثم نزل قوله تعالى: " فاقرءوا ما تيسر منه " [المزمل: 20]. قال بعض العلماء:
وهو فرض نسخ به فرض، كان على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لفضله، كما قال تعالى:
" ومن الليل فتهجد به نافلة لك " [الاسراء: 79].
قلت: القول الأول يعم جميع هذه الأقوال، وقد قال تعالى: " وأقيموا الصلاة " [المزمل: 20] فدخل فيها قول من قال إن الناسخ الصلوات الخمس. وقد ذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو على قدر حلب شاة. وعن الحسن أيضا أنه قال في هذه الآية: الحمد لله تطوع بعد الفريضة. وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لما جاء في قيامه من الترغيب والفضل في القرآن والسنة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أجعل للنبي صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به، فلما رأى جماعتهم كره ذلك، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا