فيه، إلا أن ظرف المكان لا يتعدى إليه إلا بواسطة، لا تقول: قمت الدار حتى تقول قمت وسط الدار وخارج الدار. وقد قيل: إن " قم " هنا معناه صل، عبر به عنه واستعير له حتى صار عرفا بكثرة الاستعمال.
الخامسة - " الليل " حد الليل: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقد تقدم بيانه في سورة " البقرة " (1) واختلف: هل كان قيامه فرضا وحتما، أو كان ندبا وحضا؟
والدلائل تقوي أن قيامه كان حتما وفرضا، وذلك أن الندب والحض لا يقع على بعض الليل دون بعض، لان قيامه ليس مخصوصا به وقتا دون وقت. وأيضا فقد جاء التوقيت بذلك عن عائشة وغيرها على ما يأتي. واختلف أيضا: هل كان فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء، أو عليه وعلى أمته؟ ثلاثة أقوال: الأول قول سعيد بن جبير لتوجه الخطاب إليه خاصة. الثاني قول ابن عباس، قال: كان قيام الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله. الثالث قول عائشة وابن عباس أيضا وهو الصحيح، كما في صحيح مسلم عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله... الحديث، وفيه: فقلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ: " يا أيها المزمل " قلت: بلى! قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثنى عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وذكر الحديث. وذكر وكيع ويعلى قالا: حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول لما أنزل أول " يا أيها المزمل " [المزمل: 1] كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة.
وقال سعيد بن جبير: مكث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزل بعد عشر سنين: " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل " [المزمل: 20] فخفف الله عنهم.