كان في الجاهلية يسمى بالزور. مجاهد: الغناء، وقاله محمد ابن الحنفية أيضا. ابن جريج: الكذب، وروي عن مجاهد. وقال علي بن أبي طلحة ومحمد بن علي: المعنى لا يشهدون بالزور، من الشهادة لا من المشاهدة. قال ابن العربي: أما القول بأنه الكذب فصحيح، لان كل ذلك إلى الكذب يرجع. وأما من قال إنه لعب كان في الجاهلية فإنه يحرم ذلك إذا كان فيه قمار أو جهالة، أو أمر يعود إلى الكفر، وأما القول بأنه الغناء فليس ينتهي إلى هذا الحد.
قلت: من الغناء ما ينتهي سماعه إلى التحريم، وذلك كالأشعار التي توصف فيها الصور المستحسنات والخمر وغير ذلك مما يحرك الطباع ويخرجها عن الاعتدال، أو يثير كامنا من حب اللهو، مثل قول بعضهم:
ذهبي اللون تحسب من * وجنتيه النار تقتدح خوفوني من فضيحته * ليته وافي وافتضح لا سيما إذا اقترن بذلك شبابات (1) وطارات مثل ما يفعل اليوم في هذه الأزمان، على ما بيناه في غير هذا الموضع. وأما من قال إنه شهادة الزور، وهي:
الثانية - فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه، ويحلق رأسه، ويطوف به في السوق. وقال أكثر أهل العلم: ولا تقبل له شهادة أبدا وإن تاب وحسنت حاله فأمره إلى الله. وقد قيل: إنه إذا كان غير مبرز فحسنت حال قبلت شهادته حسبما تقدم بيانه في سورة " الحج " (2) فتأمله هناك.
قوله تعالى: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) قد تقدم الكلام في اللغو (3)، وهو كل سقط من قول أو فعل، فيدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك مما قاربه، وتدخل فيه سفه المشركين وأذاهم المؤمنين وذكر النساء وغير ذلك من المنكر. وقال مجاهد: إذا أوذوا صفحوا.
وروي عنه: إذا ذكر النكاح كفوا عنه. وقال الحسن: اللغو المعاصي كلها. وهذا جامع.
و " كراما " معناه معرضين منكرين لا يرضونه، ولا يمالئون عليه، ولا يجالسون أهله.