الفراء. وفاعله محذوف وجواب لولا محذوف كما حذف في قوله: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " تقديره: لم يعبأ بكم. ودليل هذا القول قوله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فالخطاب لجميع الناس، فكأنه قال لقريش منهم: أي ما يبالي الله بكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت، وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله. ويؤيد هذا قراءة ابن الزبير وغيره. " فقد كذب الكافرون " فالخطاب بما يعبأ لجميع الناس، ثم يقول لقريش: فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون التكذيب هو سبب العذاب لزاما. وقال النقاش وغيره:
المعنى، لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك. بيانه: " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين " ونحو هذا. وقيل: " ما يعبأ بكم " أي بمغفرة ذنوبكم ولا هو عنده عظيم " لولا دعاؤكم " معه الآلهة والشركاء. بيانه: " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم "، قال الضحاك. وقال الوليد بن أبي الوليد: بلغني فيها أي ما خلقتكم ولي حاجة إليكم إلا تسألوني فأغفر لكم وأعطيكم. وروى وهب بن منبه أنه كان في التوراة: " يا بن آدم وعزتي ما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لتربح علي فاتخذني بدلا من كل شئ فأنا خير لك من كل شئ ". قال ابن جني: قرأ ابن الزبير وابن عباس " فقد كذب الكافرون ".
قال الزهراوي والنحاس: وهي قراءة ابن مسعود وهي على التفسير، للتاء والميم في " كذبتم ".
وذهب القتبي والفارسي إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف. الأصل لولا دعاؤكم آلهة من دونه، وجواب " لولا " محذوف تقديره في هذا الوجه: لم يعذبكم. ونظير قوله: لولا دعاؤكم آلهة قوله: " إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ". (فقد كذبتم) أي كذبتم بما دعيتم إليه، هذا على القول الأول، وكذبتم بتوحيد الله على الثاني. (فسوف يكون لزاما) أي يكون تكذيبكم ملازما لكم. والمعنى: فسوف يكون جزاء التكذيب كما قال:
" ووجدوا ما عملوا حاضرا " أي جزاء ما عملوا وقوله: " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " أي جزاء ما كنتم تكفرون. وحسن إضمار التكذيب لتقدم ذكر فعله، لأنك إذا ذكرت الفعل دل بلفظه على مصدره، كما قال: " ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم " أي لكان الايمان. وقوله: " وإن تشكروا يرضه لكم " أي يرضى الشكر. ومثله كثير. وجمهور المفسرين