سها فقال: (إن شفاعتهم ترتجى) فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه وفرحوا، فقال: (إن ذلك من الشيطان) فأنزل الله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " الآية. قال النحاس: وهذا حديث منقطع وفيه هذا الامر العظيم. وكذا حديث قتادة وزاد فيه (وإنهن لهن (1) الغرانيق العلا). وأفظع (2) من هذا ما ذكره الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: سجد المشركون كلهم إلا الوليد بن المغيرة فإنه أخذ ترابا من الأرض فرفعه إلى جبهته وسجد عليه، وكان شيخا كبيرا. ويقال: إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص، حتى نزل جبريل عليه السلام فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:
(ما جئتك به)! وأنزل الله: " لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " (3) [الاسراء: 74]. قال النحاس: وهذا حديث منكر منقطع ولا سيما من حديث الواقدي. وفى البخاري أن الذي أخذ قبضة من تراب ورفعها إلى جبهته هو أمية بن خلف. وسيأتي تمام كلام النحاس على الحديث - إن شاء الله - آخر الباب. قال ابن عطية: وهذا الحديث الذي فيه هي الغرانيق العلا وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور، بل يقتضى مذهب أهل الحديث أن الشيطان ألقى، ولا يعينون هذا السبب ولا غيره. ولا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة، بها وقعت الفتنة. ثم اختلف الناس في صورة هذا الالقاء، فالذي في التفاسير وهو مشهور القول أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بتلك الألفاظ على لسانه. وحدثني أبي رضي الله عنه أنه لقي بالشرق من شيوخ العلماء والمتكلمين من قال: هذا لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم في التبليغ، وإنما الامر أن الشيطان نطق بلفظ أسمعه الكفار عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى (4) " [النجم: 19 - 20] وقرب صوته من صوت النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس الامر على المشركين، وقالوا: محمد قرأها. وقد روى نحو هذا التأويل عن الامام أبى المعالي. وقيل: الذي ألقى شيطان الانس، كقوله عز وجل: " والغوا فيه (5) " [فصلت: 26]. قتادة: هو ما تلاه ناعسا.