وكذلك لو نذر هديا للمساكين فيأكل منه بعد أن بلغ محله لا يغرم إلا ما أكل - خلافا للمدونة - لان النحر قد وقع، والتعدي إنما هو على اللحم، فيغرم قدر ما تعدى فيه.
قوله (1) تعالى: (وليوفوا نذورهم) يدل على وجوب إخراج النذر إن كان دما أو هديا أو غيره، ويدل ذلك على أن النذر لا يجوز أن يأكل منه وفاء بالنذر، وكذلك جزاء الصيد وفدية الأذى، لان المطلوب أن يأتي به كاملا من غير نقص لحم ولا غيره، فإن أكل من ذلك كان عليه هدى كامل. والله أعلم.
الحادية عشرة - هل يغرم قيمة اللحم أو يغرم طعاما، ففي كتاب محمد عن عبد الملك أنه يغرم طعاما. والأول أصح، لان الطعام إنما هو في مقابلة الهدى كله عند تعذره عبادة، وليس حكم التعدي حكم العبادة.
الثانية - فإن عطب من هذا الهدى المضمون الذي هو جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين شئ قبل محله أكل منه صاحبه وأطعم منه الأغنياء والفقراء ومن أحب، ولا يبيع من لحمه ولا جلده ولا من قلائده شيئا. قال إسماعيل بن إسحاق: لان الهدى المضمون إذا عطب قبل أن يبلغ محله كان عليه بدله، لذلك جاز أن يأكل منه صاحبه ويطعم. فإذا عطب الهدى التطوع قبل أن يبلغ محله لم يجز أن يأكل منه ولا يطعم، لأنه لما لم يكن عليه بدله خيف أن يفعل ذلك بالهدى وينحر من غير أن يعطب، فاحتيط على الناس، وبذلك مضى العمل. وروى أبو داود عن ناجية الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدى وقال: (إن عطب منها شئ فانحره ثم اصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس). وبهذا الحديث قال مالك والشافعي في أحد قوليه، وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ومن اتبعهم في الهدى التطوع: لا يأكل منها سائقها شيئا، ويخلى بينها وبين الناس يأكلونها. وفي صحيح مسلم: (ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك). وبظاهر هذا النهى قال ابن عباس والشافعي في قوله الاخر، واختاره ابن المنذر، فقالا: لا يأكل منها [سائقها] ولا أحد من أهل رفقته. قال أبو عمر قوله عليه السلام (ولا يأكل منها ولا أحد من أهل رفقتك) لا يوجد إلا في حديث ابن عباس. وليس ذلك