المصادقة للقوى النفسانية التابعة لها، المسخرة إياها في تحصيل لذاتها.
* (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض) * أي: تناولوا من اللذات والتمتعات التي في الجهة السفلية من عالم النفس والبدن على وجه يحل ويطيب، أي: على قانون العدالة بإذن الشرع واستصواب العقل بقدر الاحتياج والضرورة، ولا تخطو حد الاعتدال الذي به تطيب وتنفع إلى حدود الإسراف، فإنها خطوات الشيطان. ولهذا قال تعالى: * (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) * [الإسراء، الآية: 27] فإنه عدو لكم.
بين العداوة يريد أن يهلككم ويبغضكم إلى ربكم بارتكاب الإسرافات المذمومة فإنه لا يحب المسرفين. واعلم أن العداوة في عالم النفس هي ظل الإلفة في عالم القلب، والاعتدال ظلها في عالم البدن، والإلفة ظل المحبة في عالم الروح وهي ظل الوحدة الحقيقية. فالاعتدال هو الظل الرابع للوحدة والشيطان يفر من ظل الحق ولا يطيقه فيخطوا أبدا في مجال تلك الظلال إلى جوانب الإسرافات وحيث يعجز فإلى جوانب التفريطات كما في المحبة والإلفة، ولهذا قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: ((لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا))، فإن الجاهل سخرة الشيطان.
[آية 169 - 172] * (إنما يأمركم بالسوء) * الإضرار والأذى الذي هو إفراط القوى الغضبية * (والفحشاء) * أي: القبائح التي هي إفراط القوة الشهوانية * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * الذي هو إفراط القوة النطقية لشوب العقل بالوهم الذي هو الشيطان المسخر له * (إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله) * من مراعاة حد الاعتدال والعدالة في كل شيء على الوجه المأمور به في الشرع * (قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) * من الإسرافات المذمومة في الجاهلية تقليدا لهم أتتبعونهم * (ولو أن آباؤهم لا يعقلون شيئا) * من الدين والعلم * (ولا يهتدون) * إلى الصواب في العلم لجهلهم.
* (ومثل الذين كفروا) * أي: مثل داعي الكفار المردودين * (كمثل) * الناعق بالبهائم فإنها لا تسمع إلا صوتا ولا تفهم ما معناه فكذا حالهم * (يا أيها الذين آمنوا) * إن كنتم موحدين تخصون العبادة بالله فلا تتناولوا إلا من طيبات ما رزقناكم، أي: ما ينبغي في