تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٨٨
الجمع، إذ التوحيد في مقام الجمع يلزمه البقاء الأبدي الذي هو المعاد الحقيقي، وشاهدوا الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجبوا بالجمع عن التفصيل الذي هو باطن عالم الملائكة وظاهر عالم النبيين. * (والكتاب) * الذي جمع بين الظاهر بالأحكام والمعارف، وأفاد علم الاستقامة ثم استقاموا بعد تمام التوحيد جمعا وتفصيلا بالأعمال المذكورة، فإن الاستقامة عبارة عن وقوف جميع القوى على حدودها بالأمر الإلهي لتنورها بنور الروح عند تحقق صاحبها بالله في مقام البقاء بعد الفناء وذلك مقام العدالة، فتكون هي في ظل الحق منخرطة في سلك الوحدة بكليتها. * (على حبه) * أي: في حال الاحتياج إليه والشح به، كما قال ابن مسعود: أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان: كذا، ولفلان: كذا. قال الله تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * [الحشر، الآية: 59] أو على حب الله لئلا يشغل قلبه عنه ولأنه تعالى يرضى بإيتائه أو على حب الإيتاء، يعني: بطيب النفس، فإن الكريم هو الفرح وطيب النفس بالإعطاء. ومن قوله: * (وآتى المال) * إلى قوله: * (وآتى الزكاة) * من باب العفة التي هي كمال القوة الشهوانية ووقوفها على حدها فيما يتعلق بها، وقوله: * (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) * من باب العدالة المستلزمة للحكمة التي هي كمال القوة النطقية فإنها ما لم تعلم تبعه الغدر والخيانة وفائدة الفضيلة المقابلة لهما، لم تف بالعهد.
وقوله: * (والصابرين في البأساء) * أي: الشدة والفقر * (والضراء) * أي: المرض والزمانة * (وحين البأس) * أي: الحرب من باب الشجاعة التي هي كمال القوة الغضبية * (أولئك) * الموصوفون بهذه الفضائل كلها، الثابتون في مقام الاستقامة * (الذين صدقوا) * الله في مواطن التجريد بأفعالهم التي هي البر كله * (وأولئك هو المتقون) * عن محبة غير الله حتى النفس، المجردون عن غواشي النشأة والطبيعة.
ويمكن أن يؤول المال بالعلم الذي هو مال القلب، لأنه يقوى به ويستغنى، أي: أعطي العلم مع كونه محبوبا ذوي قربى القوى الروحانية لقربها منه، ويتامى القوى النفسانية لانقطاعها عن نور الروح الذي هو الأب الحقيقي ومساكين القوى الطبيعية لكونها دائمة السكون لثواب البدن وعلمها علم الأخلاق والسياسات الفاضلة.
ثم إذا ارتوى من العلم، علم المعارف والأخلاق والآداب والمعايش جملة وتفصيلا وفرغ من نفسه، أفاض على أبناء السبيل، أي: السالكين والسائلين، أي: طلبة العلم وفي فك رقاب عبدة الدنيا والشهوات من أسرهم بالوعظ والخطابة وأقام صلاة الحضور، أي: أدامها بالمشاهدة، وآتى ما يزكي نفسه عن النظر إلى الغير، والتفاتات
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»