عن حقائقها، فتنبه صلى الله عليه وسلم عند ذلك التأديب الإلهي والعتاب الرباني وتعوذ بقوله:
* (رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي) * تلويناتي وظهور بقاياي * (وترحمني) * بالاستقامة والتمكين * (أكن من الخاسرين) * الذين خسروا أنفسهم بالاحتجاب عن علمك وحكمتك * (قيل يا نوح اهبط) * أي: اهبط من محل الجمع وذروة مقام الولاية والاستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة لا مغضبا بالاحتجاب بهم عن الحق ولا راضيا بكفرهم بالاحتجاب بالحق عنهم * (بسلام) * أي: سلامة عن الاحتجاب بالكثرة وظهور النفس بالغضب ووجود التلوين وحصول التعلق بعد التجرد والضلال بعد الهدى * (منا) * أي صادر منا وبنا * (وبركات) * بتقنين قوانين الشرع وتأسيس قواعد العدل الذي ينمو به كل شيء ويزيد * (عليك وعلى أمم) * ناشئة * (ممن معك) * وعلى دينك وطريقتك إلى آخر الزمان.
* (وأمم) * أي: وينشأ ممن معك أمم * (سنمتعهم) * في الحياة الدنيا لاحتجابهم بها ووقوفهم * (ثم يمسهم منا عذاب أليم) * بإهلاكهم بكفرهم وإحراقهم بنار الآثار، وتعذيبهم بالهيئات، وإن شئت التطبيق أولت نوحا بروحك والفلك بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى حتى إذا فار تنور البدن باستيلاء الرطوبة الغريبة والأخلاط الفاسدة وأذن بالخراب، ركب هو فيها وحمل معه من كل صنفين من وحوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية اثنين، أي:
أصليهما وبنيه الثلاثة حام القلب، وسام العقل النظري، ويافث العقل العملي، وزوجه النفس المطمئنة وأجراها باسم الله الأعظم فنجا بالبقاء السرمدي من الهلاك الأبدي بالطوفان وغرقت زوجه الأخرى التي هي الطبيعة الجسمانية وابنه منها الذي هو الوهم * (لآوي إلى جبل) * الدماغ، وأولت استواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
[تفسير سورة هود من آية 51 إلى آية 68]