عن الحق بالجبت، وتهالكهم على كسب الحطام بأنواع الرذائل وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال منعهم عن ذلك وقال: إني أراكم بخير في استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول هداية فإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم بكم لاحتجابكم عن الحق ووقوفكم مع الغير وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش وإعراضكم عن المعاد، وقصور هممكم على إحراز الفاسدات الفانيات عن تحصيل الباقيات الصالحات، وانجذابكم إلى الجهة السفلية عن الجهة العلوية، واشتغالكم بالخواص البهيمية عن الكمالات الأنسية، فلازموا التوحيد والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم الذي هو جماع الرذائل وأم الغوائل * (ولا تعثوا) * في إفسادكم أي: ولا تبالغوا ولا تمادوا في غاية الإفساد فإن الظلم هو الغاية في ذلك كما أن العدل هو الغاية في الصلاح وجماع الفضائل.
* (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * أي: إن كنتم مصدقين ببقاء شيء فما يبقى لكم عند الله من الكمالات والسعادات الأخروية والمقتنيات العقلية والمكاسب العلمية والعملية خير لكم من تلك المكاسب الفانية التي تشقون بها وتشقون على أنفسكم في كسبها وتحصيلها ثم تتركونها بالموت ولا يبقى منها معكم شيء إلا وبال التبعات والعذاب اللازم لما في نفوسكم من رواسخ الهيئات. ولما شاهد إنكارهم وعتوهم في العصيان، واستهزاءهم بطاعته، وزهده وتوحيده وتنزهه بقولهم:
* (أصلاتك) * إلى آخره.
* (قال يا قوم أرأيتم) * أي: أخبروني * (إن كنت على) * برهان يقيني على التوحيد * (من ربي ورزقني منه رزقا حسنا) * من الحكمة العلمية والعملية والكمال والتكميل بالاستقامة في التوحيد، هل يصح لي أن أترك النهي عن الشرك والظلم والإصلاح بالتزكية والتحلية؟. وحذف جواب: أرأيتم، لما دل عليه في مثله كما مر في قصة نوح وصالح عليهما السلام وعلى خصوصيته ههنا من قوله: * (وما أريد أن أخالفكم) * إلى آخره، أي: أن أقصد إلى أجر المنافع الدنيوية الفانية بارتكاب الظلم الذي أنهاكم عنه * (إن أريد إلا) * إصلاح نفسي ونفوسكم بالتزكية والتهيئة لقبول الحكمة ما دمت مستطيعا وما كوني موفقا للإصلاح * (إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) *.
* (قالوا يا شعيب ما نفقه) * إنما لم يفقهوا لوجود الرين على قلوبهم بما كسبوا من الآثام وإنما منعهم خوف رهطه من رجمه دون خوف الله تعالى لاحتجابهم بالخلق عن الحق المسبب عن عدم الفقه كقوله تعالى: * (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون 13) * [الحشر، الآية: 13].