تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٢١
* (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) * أي: الإشراق المليئون بأمور الدنيا، القادرون عليها، الذين حجبوا بعقلهم ومعقولهم عن الحق. * (ما نراك إلا بشرا مثلنا) * لكونهم ظاهريين واقفين على حد العقل المشوب بالوهم المتحير بالهوى الذي هو عقل المعاش لا يرون لأحد طورا وراء ما بلغوا إليه من العقل غير مطلعين على مراتب الاستعدادات والكمالات طورا بعد طور ورتبة فوق رتبة إلى ما لا يعلمه إلا الله، فلم يشعروا بمقام النبوة ومعناها * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) * فقراؤنا الأدنون منا، إذ المرتبة والرفعة عندهم بالمال والجاه ليس إلا كما قال تعالى: * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون 7) * [الروم، الآية: 7].
* (بادي الرأي) * أي: بديهة الرأي وأوله لأنهم ضعاف العقول، عاجزون عن كسب المعاش، ونحن أصحاب فكر ونظر قالوا ذلك لاحتجابهم بعقلهم القاصر عن إدراك الحقيقة والفضيلة المعنوية لقصر تصرفه على كسب المعاش والوقوف على حدة. وأما أتباع نوح عليه السلام فإنهم أصحاب همم بعيدة وعقول حائمة حول القدس غير متصرفة في المعاش ولا ملتفتة إلى وجوه كسبه وتحصيله، فلذلك استنزلوا عقولهم واستحقروها * (وما نرى لكم علينا من فضل) * وتقدم فيما نحن بصدده لكون الفضل عندهم محصورا في التقدم بالغنى والمال والجاه * (بل نظنكم كاذبين) * لعدم إدراك ما تثبتون وفهم ما تقولون مع وفور كياستنا * (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * يجب عليكم من طريق العقل الإذعان له * (وآتاني رحمة) * أي: هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان * (من عنده) * أي: فوق طور العقل من العلوم اللدنية ومقام النبوة * (فعميت عليكم) * لاحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة ولا يمكن تلقيها إلا بالإرادة لأهل الاستعداد فكيف نلزمكموها ونجبركم عليها * (وأنتم لها كارهون) * أي: إن شئتم تلقيها فزكوا نفوسكم وصفوا استعدادكم إن وهب لكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور الإرادة فتقبلوها إن شاء الله.
[تفسير سورة هود من آية 29 إلى آية 37]
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»