تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٢٤
أمرها وتثبيتها وأحكامها بوجود نبي أو إمام من أئمتها أو حبر من أحبارها * (إن ربي لغفور) * يغفر هيئات نفوسكم البدنية المظلمة وذنوب ملابس الطبيعة المهلكة إياكم، المغرقة في بحرها بمتابعة الشريعة * (رحيم) * يرحم بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيئات النورانية التي ينجيكم بها لولا مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل إخوانكم.
* (وهي تجري بهم في موج) * من فتن بحر الطبيعة الجسمانية واستيلاء دواعيها على الناس وغلبة أهوائها باتفاقهم على مقتضياتها كالجبال الحاجبة للنظر، المانعة للسير أو موج من انحرافات المزاج وغلبات الأخلاط المردية * (ونادى نوح ابنه) * المحجوب بعقله المغلوب بالوهم الذي هو عقل المعاش عن دين أبيه وتوحيده * (وكان في معزل) * عن دينه وشريعته * (يا بني اركب معنا) * أي: ادخل في ديننا * (ولا تكن مع الكافرين) * المحجوبين عن الحق، الهالكين بموج هوى النفس، المغرقين في بحر الطبع * (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) * يعني به الدماغ الذي هو محل العقل، أي: سأستعصم بالعقل والمعقول ليعصمني من استيلاء بحر الهيولى فلا أغرق فيه * (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا) * الذي * (رحم) * بدين التوحيد والشرع * (وحال بينهما) * موج هوى النفس واستيلاء ماء بحر الطبيعة، أي: حجبه عن أبيه ودينه وتوحيده * (فكان من المغرقين) * في بحر الجسمانية.
* (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي) * أي: نودي من جهة الحق على لسان الشرع أرض الطبيعة الجسمانية أي: يا أرض انقصي بأمر الشريعة وامتثال أحكامها من غلبة هواك واستيلائه بفوران موادك على القلب، وقفي على حد الاعتدال الذي به قوامه، ويا سماء العقل المحجوبة بالعادة والحس، المشوبة بالوهم، المغيمة بغيم الهوى التي تمد النفس والطبيعة بتهيئة موادها وأسبابها بالفكر * (أقلعي) * عن مددها * (وغيض) * ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة الحاجبة لنور الحق، المانعة للحياة الحقيقية * (وقضي) * أمر الله بإنجاء من نجا وإهلاك من هلك * (واستوت) * أي:
استقامت شريعته * (علي) * جودي وجود نوح واستقرت * (وقيل بعدا) * أي: هلاكا * (للقوم الظالمين) * الذين كذبوا بآيات الله وعبدوا الهوى مكان الحق ووضعوا طريق الطبيعة مكان الشريعة.
[تفسير سورة هود من آية 45 إلى آية 49]
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»