والرخاء كما قال عمر رضي الله عنه: الفقر والغنى مطيتان لا أبالي أيهما أمتطي، * (وعملوا) * في الحالين ما فيه صلاحهم مما ذكر * (أولئك لهم مغفرة) * من ذنوب ظهور النفس باليأس والكفران والفرح والفخر في الحالين * (وأجر كبير) * من ثواب تجليات الأفعال والصفات وجنانها * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) * لما لم يقبلوا كلامه صلى الله عليه وسلم بالإرادة وأنكروا قوله بالاقتراحات الفاسدة وقابلوه بالعناد والاستهزاء ضاق صدره ولم ينبسط للكلام إذ الإرادة تجذب الكلام وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم ويوجب بسطه فيه، وإذا لم يجد المتكلم محلا قابلا لم يتسهل له وبقي كربا عنده فشجعه الله تعالى بذلك، وهيج قوته ونشاطه بقوله: * (إنما أنت نذير) * فلا يخلو إنذارك من إحدى الفائدتين إما رفع الحجاب بأن ينجع فيمن وفقه الله تعالى لذلك، وإما إلزام الحجة لمن لم يوفق لذلك * (والله على كل شيء وكيل) * فكل الهداية إليه.
* (من كان يريد الحياة الدنيا) * أي: كل من يعمل عملا وإن كان من أعمال الآخرة في الظاهر بنية الدنيا لا يريد به إلا حظا من حظوظها يوفيه الله تعالى أجره فيها ولا يصل إليه من ثواب الآخرة شيء، فإن لكل أحد نصيبا من الدنيا بمقتضى نشأته التي هو عليها ونصيبا من الآخرة بمقتضى فطرته التي فطر عليها، فإذا لم يرد بعمله إلا الدنيا فقد أقبل بوجهه إليها وأعرض عن الآخرة وجعل النصيب الدنيوي بانجذابه وتوجهه إلى الجهة السفلية حجاب النصيب الأخروي حتى انتكست فطرته وتبعت النشأة واستخدمت نفسه القلب في طلب حظوظها فصار نصيبه من الآخرة منضما إلى النصيب الدنيوي * (وهم فيها) * لا ينقصون أي: لا ينقص من ثواب أعمالهم في الدنيا شيء لأنه لما تشكل القلب بهيئة النفس تمثل حظه بصورة لاحظ النفس.
[تفسير سورة هود من آية 16 إلى آية 22]