تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٣٧
الذي هو الله دون من سواه * (وهو على كل شيء وكيل) * أي: لا يستحق العبادة إلا المبدئ لكل شيء وهو مع ذلك وكيل على الكل يحفظها ويدبرها ويوصل إليها الأرزاق وما تحتاج إليه حتى تبلغ الكمال اللاحق بها.
* (لا تدركه الأبصار) * أي: لا تحيط به لأنه اللطيف الجليل عن إدراكها، وكيف تدركه وهي لا تدرك أنفسها التي هي نور منه؟! * (وهو يدرك الأبصار) * لإحاطته بكل شيء ولطف إدراكه * (قد جاءكم بصائر من ربكم) * أي: آيات بينات هي صور تجليات صفاته التي هي أنوار بصائر القلوب. والبصيرة نور يبصر به القلب، كما أن البصر نور تبصر به العين، * (فمن أبصر) * أي: صار بصيرا بها، فإنما فائدة إبصاره وهدايته لنفسه ومن حجب عنها فإنما مضرة احتجابه لا تتعدى إلى غيره بل إليه * (وما أنا عليكم بحفيظ) * رقيب يرقبكم ويحفظكم عن الضلال، بل الله حفيظ يحفظكم ويحفظ أعمالكم * (ولو شاء الله ما أشركوا) * أي: كل ما يقع فإنما يقع بمشيئة الله ولا شك أن استعداداتهم التي وقعوا بها في الشرك وأسباب ذلك من تعليم الآباء والعادات وغيرها أيضا واقعة بإرادة من الله وإلا لم تقع. فإن آمنوا بذلك فبهداية الله وإلا فهون على نفسك * (وما جعلناك عليهم حفيظا) * تحفظهم عن الضلال * (وما أنت) * بموكل عليهم بالإيمان، ولا ينافي هذا ما قال في تعييرهم فيما بعد بقوله: * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا) * [الأنعام، الآية: 148] لأنهم قالوا ذلك عنادا ودفعا للإيمان بذلك التعلل لا اعتقادا، فقولهم ذلك وإن كان صدقا في نفس الأمر لكنهم كانوا به كاذبين، مكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لو صدقوا لعلموا أن توحيد المؤمنين أيضا بإرادة الله وكذا كل دين. فلم يعاندوا ولم يعادوا أحدا، ولو علموا أن كل شيء لا يقع إلا بإرادة الله لما بقوا مشركين بل كانوا موحدين، لكنهم قالوه لغرض التكذيب والعناد وإثبات أنه لا يمكنهم الانتهاء عن شركهم فلذلك عيرهم به لا لأنه ليس كذلك في نفس الأمر، فإنهم لم يطلعوا على مشيئة الله وأنه كما أراد شركهم في الزمان السابق لم يرد إيمانهم الآن إذ ليس كل منهم مطبوع القلب بدليل إيمان من آمن منهم. فلم لا يجوز أن يكون بعضهم كانوا مستعدين للإيمان والتوحيد واحتجبوا بالعادة وما وجدوا من آبائهم فأشركوا ثم إذا سمعوا الإنذار وشاهدوا آيات التوحيد اشتاقوا إلى الحق وارتفع حجابهم فوحدوا؟، فلذلك وبخهم على قولهم وطلب منهم الحجة على أن الله أرادهم بذلك دائما وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم لعل من كان فيه أدنى استعداد إذا انقطع عن حجته وسمع وعيد من قبله من المنكرين، ارتفع حجابه ولان قلبه فآمن، ويكون ذلك توفيقا له ولطفا في شأنه، فإن عالم الحكمة يبتنى على الأسباب. وأما من كان من
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»