تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٣١
مع العقل محبوسا في قيده يراها من الملكوت، والمهتدي بنور الهداية الإلهية المنفتحة عين بصيرته يرى أن الملكوت بالنسبة إلى ذات الله تعالى كالملك بالنسبة إلى الملكوت، فكما لا يرى التأثير من الأكوان لا يراها من ملكوتها بل من مالكها ومكونها، فيقول حقا: لا إله إلا الله.
تفسير سورة الأنعام من آية 76 إلى آية 79] * (فلما جن عليه الليل) * أي: فلما أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية في صباه وأول شبابه * (رأي) * كوكب ملكوت الهيكل الإنساني التي هي النفس المسماة روحا روحانية وجد فيضه وحياته وربوبيته منها إذ كان الله تعالى يريه في ذلك الحين باسمه المحيي، فقال بلسان الحال: * (هذا ربي فلما أفل) * بعبوره عن مقام النفس وطلوع نور القلب وإشراقه عليه بآثار الرشد والتعقل ومعرفته لإمكان النفس ووجوب انطباعها في الجسم * (قال لا أحب الآفلين) * الغاربين في مغرب الجسم، المحتجبين به، المتسترين بظلمة الإمكان والاحتياج إلى الغير * (فلما رأى) * قمر القلب بازغا بوصوله إلى مقام القلب وطلوعه من أفق النفس بظهوره عليه ورأى فيضه بمكاشفات الحقائق وعلمه وربوبيته منه، إذ كان الله تعالى يريه حينئذ باسمه العالم والحكيم * (قال هذا ربي فلما أفل) * باحتجابه عنه وعبوره عن طوره وشعوره بأن نوره مستفاد من شمس الروح وإنه قد يتغيب في ظلمة النفس وصفاتها فيحتجب بها ولا نور له أعرض عن مقامه سالكا طريق تجلي الروح قائلا: * (لئن لم يهدني ربي) * إلى نور وجهه * (لأكونن من القوم الضالين) * الذين يحتجبون بالبواطن عنه كالنصارى الواقفين مع الحجب النورانية.
* (فلما رأى الشمس) * الروح * (بازغة) * بتجليها عليه وظهور نورها وجد فيضه وشهوده وربوبيته منها إذ كان الله تعالى يريه حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم * (قال هذا ربي هذا أكبر) * لعظمته وشدة نورانيته * (فلما أفلت) * باستيلاء أنوار تجلي الحق وطلوع سبحات الوجه الباقي، وانكشاف حجاب الذات بوصوله إلى مقام الوحدة رأى النظر إلى الروح وإلى وجوده مشركا فقال: * (يا قوم إني بريء مما تشركون) * به أي:
أي شيء كان إذ لا وجود لغيره * (إني وجهت وجهي) * أي: أسلمت ذاتي ووجودي * (للذي) * أوجد سماوات الأرواح وأرض النفس مائلا عن كل ما سواه حتى عن
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»