تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٢٠
نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه) * [الكهف، الآية: 28]، * (ما عليك من حسابهم من شيء) * [الأنعام، الآية: 52] ويثاب بأنواع النعيم في الجنان كلها.
ومن وقف مع الغير بالشرك وقف على الرب وعذب بجميع أنواع العذاب في مراتب النيران كلها، لكون حجابه أغلظ وكفره أعظم. ومن وقف مع الناسوت بمحبة اللذات والشهوات، ولبث في حجاب الآثار وقف على الملكوت وعذب بنيران الحرمان عن المراد، وسلط عليه زبانية الهيئات المظلمة، وقرن بشياطين الأهواء المردية. ومن وقف مع الأفعال وخرج عن حجاب الآثار، وقف على الجبروت، وعذب بنار الطمع والرجاء، ورد إلى مقام الملكوت. ومن وقف مع الصفات وخرج عن حجاب الأفعال، وقف على الذات، وعذب بنار الشوق في الهجران وإن كان من أهل الرضا وهذا الموقف ليس هو الموقف على الرب، فإن الموقوف على الذات يعرف ربه الموصوف بصفات اللطف كالرحيم، والرؤوف، والكريم، دون الموقوف على الرب فهو حجاب الأنية كما أن الواقف مع الأفعال في حجاب أوصافه، والواقف مع الناسوت في حجاب أفعاله التي هي من جملة الآثار. فالمشرك موقوف في المواقف الأربعة أولا على الرب فيحجب بالبعد والطرد، كما قال: * (اخسئوا فيها ولا تكلمون) * [المؤمنون، الآية: 108]، وقال: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * [آل عمران، الآية: 106]، ثم على الجبروت فيطرد بالسخط والقهر كما قال: * (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم) * [آل عمران، الآية: 77]، ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن كما قيل: * (ادخلوا أبواب جهنم) * [الزمر، الآية: 72] ثم على النار، فيعذب بأنواع النيران أبدا، كما قال على لسان مالك: * (إنكم ماكثون) * [الزخرف، الآية: 77]، فيكون وقفه على النار متأخرا عن وقفه على الرب، معلولا منه، كما قال: * (ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) * [يونس، الآية: 70]. وأما الواقف مع الناسوت فيقف للحساب على الملكوت ثم على النار، وقد ينحى لعدم السخط وقد لا ينحى لوجوده. والواقف مع الأفعال لا يوقف على النار أصلا، بل يحاسب ويدخل الجنة. وأما الواقف مع الصفات فهو من الذين: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * [المائدة، الآية: 119] والله أعلم بحقائق الأمور.
[تفسير سورة الأنعام من آية 31 إلى آية 33]
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»