تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
الآية: 143] فكان أكثر التوراة علم الأحكام الذي يتعلق بأحوال النفس وتهذيبها ودعوته إلى الظاهر والغالب على عيسى قوة القلب ونوره، ولهذا تجرد عن ملابس الدنيا وأمر بالترهب. وقال لبعض أصحابه: إذا لطمت في خدك فأدر الخد الآخر لمن لطمك.
وكان أكثر الإنجيل علم تجليات الصفات والأخلاق والمواعظ والنصائح التي تتعلق بأحوال القلب وتصفيته وتنويره ودعوته إلى الباطن والغالب على محمد عليه صلى الله عليه وسلم سلطان الروح ونوره، فكان جامعا لمكارم الأخلاق متمما لها، عادلا في الأحكام، متوسطا فيها. وكان القرآن شاملا لما في الكتابين من العلوم والأحكام والمعارف مصدقا له، حافظا عليه، مع زيادات في التوحيد والمحبة ودعوته إلى التوحيد.
* (فاحكم بينهم بما أنزل الله) * من العدل الذي هو ظل المحبة التي هي ظل الوحدة التي انكشفت عليك * (ولا تتبع أهواءهم) * في تغليب أحد الجانبين، إما الظاهر وإما الباطن * (عما جاءك من الحق) * من التوحيد والمحبة والعدل، فإن التوحيد يقتضي المحبة، والمحبة العدل، ويقع ظله من سماء الروح على القلب بالمحبة، وعلى النفس بالعدالة * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * موردا كمورد النفس ومورد القلب ومورد الروح، وطريقا كعلم الأحكام والمعاملات التي تتعلق بالقلب وسلوك طريق الباطن الموصل إلى جنة الصفات، وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق بالروح وسلوك طريق الفناء الذي يوصل إلى جنة الذات * (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) * موحدين على الفطرة الأولى، متفقين على دين واحد * (ولكن) * ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول كل واحد منكم فتتنوع الكمالات * (فاستبقوا الخيرات) * أي: الأمور الموصلة إلى كمالكم الذي قدر لكم بحسب استعدادكم المقربة إياكم إليه بإخراجه إلى الفعل * (إلى الله مرجعكم جميعا) * في عين جمع الوجود على حسب المراتب لا عين جمع الذات * (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) * أي: يظهر عليكم ما اختلفتم فيه بحسب اختلاف استعداداتكم من طلب إحدى الجنان الثلاث، والوصول إليها، والحرمان بموانعها التي احتجبتم بها عما في استعدادكم من الكمال * (ببعض ذنوبهم) * ذنوب اليهود حجب الأفعال وذنوب النصارى حجب الصفات ففسق اليهود هو الخروج عن حكم تجليات الأفعال الإلهية برؤية النفس وأفعالها وفسق النصارى خروجهم عن حكم تجليات الصفات الحقانية برؤية النفس صفاتها واحتجابها بها كما أن فسق المحمديين هو الالتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية.
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»