[تفسير سورة المائدة من آية 23 إلى آية 26] * (قال رجلان من الذين يخافون) * كانا من النقباء الاثني عشر وهم: العقل النظري والعقل العلمي يخافون سوء عاقبة ملازمة الجسم ووبال العقوبة بهيآته المظلمة * (أنعم الله عليهما) * بالهداية إلى الطريق المستقيم والدين القويم * (ادخلوا عليهم الباب) * باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي الأفعال كما أن باب قرية الروح هو الرضا * (فإذا) * دخلتم مقام التوكل الذي هو باب القرية * (فإنكم غالبون) * بخروجكم عن أفعالكم وعن أحوالكم وبكونكم فاعلين بالله، وإذا كان الحول والقوة بالله يهرب شيطان الوهم والتخيل والهوى والغضب منكم فغلبتم عليهم. ويدل على أن الباب هو التوكل قوله: * (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) * بالحقيقة، إذ الإيمان بالغيبة عن المؤمن به أقل درجات حضور تجلي الأفعال * (قالوا يا موسى) * أي: أصروا على إبائهم وامتناعهم عن الدخول * (فاذهب أنت وربك) * أي: إن كنت نبيا فادفعهم عنا بقوة نفسك، واقمع الهوى، وتلك القوى فينا بلا رياضة ومجاهدة منا، وسل ربك يدفعها عنا كما يقول الشطار والوغود عند موعظتك إياهم، وزجرك وتهديدك لهم. ادفع بهمتك عنا هذه الشقاوة إما استهزاء وعنادا وإما جدا واعتقادا * (إنا ها هنا قاعدون) * ملازمون مكاننا في مقام النفس، معتكفون على هوى نفوسنا ولذات أبداننا كما قالوا: حطا سمقاثا.
* (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) * هي مدة بقائهم في مقام النفس، أي: بقوا في تيه الطبيعة يتحيرون أربعين سنة إلى قرية القلب، فإن دخول مقام القلب مع استيلاء جبابرة صفات النفس عليه حرام ممتنع، ولهذا قال تعالى: * (بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) * [الأحقاف، الآية: 15]، فإنه وقت البلوغ الحقيقي.
وقيل في قصة التيه: إنهم كانوا يسيرون جادين طول النهار في ستة فراسخ، فإذا أمسوا كانوا على المقام الذي ارتحلوا عنه، أي: كان سعيهم في تحصيل المناجح الجسمانية والمباغي البدنية المحصورة في الجهات الست ولم يخرجوا عن الجهات بالتجرد، فكانوا على المقام الأول لعدم توجههم إلى سمت القلب بطلب التجرد والتنزه عن الهيئات البدنية والصفات النفسانية. وكانت ينزل من السماء بالليل عمود من نار يسيرون وينتفعون بضوئه، أي: ينزل عليهم نور عقل المعاش من سماء الروح فيهتدون به إلى