مصالحهم. وقيل: من نار لأنه عقل مشوب بالوهم ليس عقلا صرفا، وإلا لاهتدوا به إلى طريق القلب. وأما الغمام والمن والسلوى فقد مر ذكرها وتأويلها وقيل: كان على كل مولود ولد في التيه قميص بقدر قامته يزيد بزيادته، يعنون به: لباس البدن والله أعلم. وإن شئت أن تطبق القصة على حالك أولت موسى بالقلب وهارون بالروح، فإنه كان أخاه الأكبر، ولهذا قال: * (هو أفصح مني لسانا) * [القصص، الآية: 34] وبني إسرائيل بالقوة الروحانية، والأرض المقدسة بالنفس المطمئنة، ثم أجريت القصة بحالها إلى آخرها * (فلا تأس) * أي: لا تهتم بهدايتهم، ولا تغتم على عقوبتهم، فإنهم فسقوا وخرجوا عن طريق القلب بهواهم وطغيانهم.
تفسير سورة المائدة آية 27 * (واتل عليهم نبأ ابني آدم) * القلب للذين هما هابيل القلب وقابيل الوهم، إذ كان لكل منهما توأمة. أما توأمة العقل فالعاقلة العلمية المدبرة لأمور المعاش والمعاد بالآراء الصلاحية المقتضية للأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المستنبطة لأنواع الصناعات والسياسات. وأما توأمة الوهم: فالقوة المتخيلة المتصرفة في المحسوسات والمعاني الجزئية لتحصيل الآراء الشيطانية، فأمر آدم القلب بتزويج الوهم توأمة العقل التي هي العاقلة العلمية لتتسلط عليه بالقياسات العقلية البرهانية وتدربه بالرياضات الإذعانية والسياسات الروحانية، وتسخره للعقل فيطيع أب القلب، ويحسن إليه، ويبره بأنواع الرجاء الصادقة ويعينه في الأعمال الصالحة ويمتنع من عقوقه بالتسويلات والتزينات الشيطانية الفاسدة، وإغراء النفس عليها بالهيئات الفاسقة والأفعال السيئة، وتزويج العقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلات الفاسدة وتهيج أحاديث النفس الكاذبة فيستريح أبوها منها ويستعملها في المعقولات والمحسوسات والمعاني الكلية والجزئية، فتصير مفكرة عاملة في تحصيل العلوم فينتفع أبوها. فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب لمناسبتها إياه، فأمر أبوهما القلب بأن يقرب كل واحد منهما قربانا أي: نسكا يتقرب به إلى الله بإفاضة النتيجة وإفناء صورة القياس وقبول الصورة المعقولة الكلية المطابقة لما في نفس الأمر التي هي نسيكته التي يتقرب بها إلى الله منه، وعدم قبول قربان الوهم الذي هو صورة المغالطة أو الصورة الموهومة الجزئية امتناع اتصال العقل به بإفاضة النتيجة إذ لا نتيجة لها أو امتناع قبول الصورة الوهمية إذ لا تطابق ما في نفس الأمر فزاد حسده عليه.