تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ١٩٧
مروا به من قبلهم فاصطكت ركبتاه وارتعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له خير الملائكة ورأسهم يا ابن عمران اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة أن اهبطوا فاعترضوا على موسى فهبطوا عليه لهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى أن يتبعهم بصره لم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة ورأسهم يا بان عمران مكانك حتى ترى بعض ما تصبر عليه ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه في يد كل ملك منهم مثل النخلة الطويلة نار أشد ضوءا من الشمس ولباسهم كلهب النار إذا سبحوا وقدسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السماوات كلهم يقولون بشدة أصواتهم سبوح قدوس رب الملائكة والروح برب العزة أبدا لا يموت وفي رأس كل ملك منهم أربعة أوجه فلما رآهم موسى رفع صوته يسبح معهم حين سبحوا وهو يبكي ويقول رب اذكرني ولا تنس عبدك لا أدري أأنفلت مما أنا فيه أم لا إن خرجت احترقت وإن مكثت مت فقال له كبير الملائكة ورأسهم قد أوشكت بيا بان عمران أن يشتد خرفك ويخلع قلبك فاصبر للذي سألت ثم أمر الله أن يحمل عرضه ملائكة السماء السابعة فملا بدا نور العرش انفرج الحبل من عظمة الرب جدل جلاله ورفعت ملائكة السماوات أصواتهم جميعا يقولون سبحان الملك القدوس رب العزة أبدا لا يموت بشدة أصواتهم فارتج الجبل واندكت كل شجرة كانت فيه وخر العبد الضعيف موسى صعقا على وجهه ليس معه روحه فأرسل الله برحمته الروح فيغشاه وقلب عليه الحجر الذي كان عليه موسى وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى فأقامه الروح مثل اللامة فقال موسى يسبح الله ويقول آمنت بك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد فيحبيا من نظر إلى ملائكتك أنخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكة أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك ولا يعد لم شيء ولا يقوم لك شيء رب تبت إليك الحمد لك لا شريك لك ما أعظمك ما أجلك رب العالمين فذلك قوله تعالى (فما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال ابن عباس ظهر نور به للجبل جبل زبير وقال الضحاك أظهر الله من نور الحجب مثل منخر ثور وقال عبد الله بن سم كعب الأحبار ما تجلى من عظمة الله للجبل إلا مثل سم الخياط حتى صار دكا وقال السدي ما تجلى إلا قدر الخنصر يدل عليه ما روى ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال (هكذا) ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل وحكى عن سهل بن سعد الساعدي أن الله تعالى اظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدرهم فجعل الجبل دكا أي مستويا بالأرض قرأ حمزة والكسائي (دكاء) ممدودا عير منون ها هنا وفي سورة الكهف وافق عاصم في الكهف وقرأ الآخرون (دكا مقصورا منونا فمن قصر فمعناه جعله مدقوقا والدك والدق واحد وقيل معناه دكه الله دكا فتقه كما قال (إذا دكت الأرض دكا) ومن قرأ بالمد أي جعله مستويا أرضا دكاء وقيل معناه جعله مثل دكاء وهي الناقة التي لا سنام لها قال ابن عباس جعله ترابا وقال سفيان ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو يذهب فيه وقال عطية العوفي صار رملا هائلا وقال الكلبي جعله دكا أي كسرا جبالا صغارا ووقع في تعض التفاسير 2 ارت لعظمته ستة أجبل وقعت بالمدينة أحد وودقان ورضوى
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»