تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ١٩٦
أنزل ظلمة على أربعة فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد هوام الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى الملائكة قياما في الهواء ورأى العرض بارزا وكلمة الله وناجاه حتى أسمعه وكان جبريل عليه السلام معه فلم يسمع ما كلمه ربه وأدناه حتى صرير القلم فاستحلى موسى عليه السلام كلام ربه واشتاق إلى رؤيته (قال رب أرني أنظر إليك) قال الزجاج فيه اختصار تقديره أرني فنسك أنظر إليك قال ابن عباس أعطني النظر إليك فإن قيل كيف سأل الرؤية وقد لعم أن الله تعالى لا يرى في الدنيا قال الحسن هاج به الشوق فسأل الرؤية وقيل سأل الرؤية طنا منع أنه يجوز أن يرى في الدنيا (قال) الله تعالى (لن تراني) وليس لبشر أن يطيق النظر إلي في الدنيا من نظر إلى في الدنيا مات فقال إلهي سمعت كلامك فاشتقت إلى النظر إليك ولأن انظر إليك ثم أموت أحب إلى من أن أعيش ولا أراك فقال الله عز وجل (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل) وهو أعظم جبل بمدين يقال له زبير قال السدي لما كلم الله موسى غاص الخبيث إبليس في الأرض حتى خرج من بين قدمي موسى فوسوس إليه وقال إن من كلمك شيطان فند ذلك سأل موسى الرؤية فقال الله عز وجل (لن تراني) وتعلقت نفاة الرؤية بظاهر هذه الآية وقالوا قال الله (لن تراني) ولن تكون للتأييد ولا حجة لهم فيها ومعنى الآية لن تراني في الدنيا أو في الحال لأنه كان يسأل الرؤية في الحال وان لا تكون للتأبيد كقوله تعالى (لن يتمنوه أبدا) إخبارا عن اليهود ثم أخبر عنهم أنهم يتمنون الموت في الآخرة كما قال اله تعالى (ونادوا يا مالك ليعض علنيا ربك) و (يا ليتها كانت القاضية) والدليل عليه أنه لم ينسبه إلى الجهل بسؤال الرؤية ولم يقل إني لا أرى حتى تكون لهم حجة بل علق الرؤية على استقرارا الجبل واستقرار الجبل عند التجلي غير مستحيل إذا جعل الله تعالى له تلك القوة والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالا قال اله تعالى (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) قال وهب وابن إسحق لما سأل موسى ربه الرؤية أرسل الله الدواب والصواعق والظلمة والرعد والبرق وأحاط بالجبل الذي عليه موسى أربعة فراسخ من كل جانب وأمر الله ملائكة السماء أن يعترضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه أمثال الأسود لهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع العبد الضعيف بان عمران مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة في رأسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسئلتي فهل ينجيني من مكاني الذي فيه شيء فقال له خير الملائكة ورأسهم يا موسى اصبر لم سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا أمثال النسور لهم قصف ورجف ولجب شديد وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس كجلب الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ففزع موسى واشتد فزعه وأيس من الحياة فقال له خير الملائكة يا بان عمران مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا فاعترضوا على موسى بن عمران فهبطوا لعيه لا يشبههم شيء من الذين مروا به قبلهم ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم علية بالتقديس والتسبيح لا يقاربهم شيء من أصوات الذين
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»