تفسير البغوي - البغوي - ج ٢ - الصفحة ١٥٠
سورة الأعراف (10 12) قوله تعالى ولقد مكناكم في الأرض أي مكناكم والمراد من التمكين التمليك والقدرة وجعلنا لكم فيها معايش أي أسبابا تعيشون بها أيام حياتكم من التجارات والمكاسب والمآكل والمشارب والمعايش جمع المعيشة قليلا ما تشكرون فيما صنعت إليكم قوله عز وجل ولقد خلقناكم ثم صورناكم قال ابن عباس خلقناكم أي أصولكم واباءكم ثم صورناكم في أرحام أمهاتكم وقال قتادة والضحاك والسدي أما خلقناكم فآدم وأما صورناكم فذريته وقال مجاهد في خلقناكم آدم ثم صورناكم في ظهر آدم بلفظ الجمع لأنه أبو البشر ففي خلقه خلق من يخرج من صلبه وقيل خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في أرحام النساء وقال يمان خلق الإنسان في الرحم ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه وقيل الكل آدم خلقه وصوره وثم بمعنى الواو ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فإن قيل الأمر بسجود الملائكة كان قيل خلق بني آدم فما وجه قوله ثم قلنا وثم للترتيب وللتراخي قيل على قول من يصرف الخلق والتصوير إلى آدم وحده يستقيم الكلام إ / ا على قول من يصرفه إلأى الذرية فعنه أجوبة أحدها ثم بمعنى الواو أي وقلنا للملائكة فلا تكون للترتيب والتعقيب وقيل أراد ثم أخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره ولقد خلقناكم يعني آدم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم قوله تعالى فسجدوا يعني الملائكة إلا إبليس لم يكن من الساجدين لآدم قال الله تعالى يا إبليس ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك أي ولم منعك أ تسجدوا لا زائدة كقوله تعالى وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون قال إبليس مجيبا له أنا خير منه لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين والنار خير وأنور من الطين قال ابن عباس أ ل من قاس إبليس فأخطأ القياس فمن قاس الدين بشئ من رأيه قرنه الله مع إبليس قال ابن سيرين ما عبدت الشمس إلا بالقياس قال محمد بن جرير ظن الخبيث أ النار خير من الطين ولم يعلم أ الفضل لمن جعل الله له الفضل وقد فضل الطين على النار وقالت الحكماء للطين فضل على النار من وجده منها أن من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الدراعي لآدم بعد السعادة التي سبق له إلى التوبة والتواضع والتضرع فأورثه الاجتباء والتوبة والهداية ومن جوهر النار الخفة والطيش والجرأ والارتفاع
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»