تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
سورة آل عمران 153 فشلتم ومعنى التنازع الاختلاف وكان اختلافهم أن الرماة اختلفوا حين انهزم المشركون فقال بعضهم انهزم القوم فما مقامنا وأقبلوا على الغنيمة وقال بعضهم لا تجاوزوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة فلما رأى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه وأقبلوا على المسلمين وجاءت الريح فصارت دبورا بعد ما كانت صبا وانقضت صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضا ما يشعرون من الدهش ونادى إبليس أن محمدا قد قتل فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين قوله تعالى (وعصيتم) يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وخالفتم أمره (من بعد ما أراكم) الله (ما تحبون) يا معشر المسلمين من الظفر والغنيمة (منكم من يريد الدنيا) يعني الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب (ومنكم من يريد الآخرة) يعني الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا قال عبد الله بن مسعود ما شعرت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الآية (ثم صرفكم عنهم) أي ردكم عنهم بالهزيمة (ليبتليكم) ليمتحنكم وقيل لينزل البلاء عليكم (ولقد عفا عنكم) فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة منكم لأمر نبيكم (والله ذو فضل على المؤمنين) 153 (إذ تصعدون) يعني ولقد عفا عنكم إذ تصعدون هاربين وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة (تصعدون) بفتح التاء والعين والقراءة المعروفة بضم التاء وكسر العين والاصعاد السير في مستوى الأرض والصعود الارتفاع على الجبال والسطوح قال أبو حاتم يقال أصعدت إذا مضيت حيال وجهك وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره وقال المبرد أصعد إذا أبعد في الذهاب وكلتا القراءتين صواب فقد كان يومئذ من المنهزمين مصعد وصاعد وقال المفضل صعد وأصعد بمعنى واحد (ولا تلوون على أحد) أي لا تعرجون ولا تقيمون على أحد لا يلتفت بعضكم إلى بعض (والرسول يدعوكم في أخراكم) أي في آخركم ومن ورائكم إلي عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة (فأثابكم) فجازاكم جعل الإثابة بمعنى العقاب وأصلها في الحسنات لأنه وضعها موضع الثواب كقوله تعالى (فبشرهم بعذاب أليم) جعل البشارة في العذاب ومعناه جعل مكان الثواب الذين كنتم ترجون (غما بغم) وقيل الباء بمعنى على أي غما على غم وقيل غما متصلا بغم فالغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة والغم الثاني ما نالوا من القتل والهزيمة وقيل الغم الأول ما أصابهم من القتل والجراح والغم الثاني أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل فأنساهم الغم الأول وقيل الغم الأول إشراف خالد بن الوليد عليهم بخيل المشركين والغم الثاني حين أشرف عليهم أبو
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»