تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٥٩
سورة البقرة 273 يؤدي إليكم ولذلك دخل فيه إلى (وأنتم لا تظلمون) لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا وهذا في صدقة التطوع أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمة فأما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين وهم أهل السهمان المذكورون في سورة التوبة 273 قوله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) اختلفوا في موضع هذه اللام قيل هي مردودة على موضع اللام من قوله (فلأنفسكم) كأنه قال وما تنفقوا من خير فللفقراء وإنما تنفقون لأنفسكم وقيل معناها الصدقات التي سبق ذكرها وقيل خبر محذوف تقديره للفقراء الذين صفتهم كذا حق واجب وهم للفقراء المهاجرين كانوا نحوا من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر وكانوا في المسجد يتعلمون القرآن ويرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب الصفة فحث الله تعالى عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى (الذين أحصروا في سبيل الله) فيه أقاويل قال قتادة هم هؤلاء حسبوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله (لا يستطيعون ضربا في الأرض) لا يتفرغون للتجارة وطلب المعاش وهم أهل الصفة الذين ذكرناهم وقيل حبسوا أنفسهم على طاعة الله وقيل معناه حبهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله وقيل هؤلاء قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيل الله فصاروا زمنى أحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في سبيل الله للجهاد وقيل معناه من كثرة ما جاهدوا صارت الأرض كلها حربا لهم فلا يستطيعون ضربا في الأرض من كثرة أعدائهم (يحسبهم) قرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة (يحسبهم) وبابه بفتح السين وقرأ الآخرون بالكسر (الجاهل) بحالهم (أغنياء من التعفف) أي من تعففهم عن السؤال وقناعتهم يظن من لا يعرف حالهم أنهم أغنياء والتعفف التفعل من العفة وهي الترك يقال عف عن الشيء إذا كف عنه وتعفف إذا تكلف في الإمساك (تعرفهم بسيماهم) السيماء والسيمياء والسمة العلامة التي يعرف بها الشيء واختلفوا في معناها ههنا فقال مجاهد هي التخشع والتواضع وقال السدي أثر الجهد من الحاجة والفقر وقال الضحاك صفرة ألوانهم من الجوع والضر وقيل رثاثة ثيابهم (لا يسألون الناس الحافا) قال عطاء إذا كان عندهم غداء لا يسألون عشاء وإذا كان عندهم عشاء لا يسألون غداء وقيل معناه لا يسألون الناس إلحافا أصلا لأنه قال (من التعفف) والتعفف ترك السؤال ولأنه قال تعرفهم بسيماهم ولو كانت المسألة من شأنهم لما كانت إلى معرفتهم بالعلامة حاجة فمعنى الآية ليس لهم سؤال فيقع فيه إلحاف والإلحاف الإلحاح واللجاج أخبرنا الأستاذ
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»