تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٦٢
فيردوهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة قال وآل فرعون يقولون اللهم لا تقم الساعة أبدا قال يوم القيامة يقال ادخلوا آل فرعون أشد العذاب قلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) قوله تعالى (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) أي ذلك الذي نزل بهم لقولهم هذا واستحلالهم إياه وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه فطالبه فيقول الغريم لصاحب الحق زدني في الأجل حتى أزيدك في المال فيفعلان ذلك ويقولون سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند المحل لأجل التأخير فكذبهم الله تعالى وقال (وأحل الله البيع وحرم الربا) واعلم أن الربا في اللغة الزيادة قال الله تعالى (وما آتيتم من الربا ليربو في أموال الناس) أي ليكثر فلا يربو عند الله فطلب الزيادة بطريق التجارة غير حرام في الجملة إنما المحرم زيادة على صفة مخصوصة في مال مخصوص بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورث ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر يدا بيد كيف شئتم نقص أحدهما الملح أو التمر أو زاد أحدهما ومن زاد أو استزاد فقد أربى \ وروى هذا الحديث مطرف عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عتيك عن عبادة فالنبي صلى الله عليه وسلم نص على ستة أشياء وذهب عامة أهل العلم إلى أن حكم الربا يثبت في هذه الأشياء الست بالأوصاف فيها فيتعدى إلى كل مال توجد فيه تلك الأوصاف ثم اختلفوا في تلك الأوصاف فذهب قوم إلى أن المعنى في جميعها واحد وهو النفع وأثبتوا الربا في جميع الأموال وذهب الأكثرون إلى أن الربا يثبت في الدراهم والدنانير بوصف وفي الأشياء المطعومة بوصف آخر واختلفوا في ذلك الوصف فقال قوم ثبت في الدراهم والدنانير بوصف النقدية وهو قول مالك والشافعي وقال قوم ثبت بعلة الوزن وهو قول أصحاب الرأي وأثبتوا الربا في جميع الموزونات مثل الحديد والنحاس والقطن ونحوها وأما الأشياء الأربعة فذهب قوم إلى أن الربا ثبت فيها بعلة الكيل وهو قول أصحاب الرأي وأثبتوا الربا في جميع المكيلات مطعوما كان أو غير مطعوم كالجص والنورة ونحوهما وذهب جماعة إلى أن العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن فكل مطعوم وهو مكيل أو موزون يثبت فيه الربا ولا يثبت فيما ليس بمكيل ولا موزون وهو قول سعيد بن المسيب وقاله الشافعي رحمه الله في القديم وقال في الجديد يثبت فيها الربا بوصف الطعم وأثبت الربا في جميع الأشياء المطعومة من الثمار والفواكه والبقول والأدوية مكيلة كانت أو موزونة لما روي عن معمر بن عبد الله قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ الطعام بالطعام مثلا بمثل \ فجملة مال الربا عند الشافعي ما كان ثمارا أو مطعوما والربا نوعان الفضل وربا النساء فإذا باع مال الربا بجنسه مثلا بمثل بأن باع أحد النقدين
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»