وسأل المبارزة انتدب له داود فأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبا ثم انصرف إلى الملك فقال من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال ما شأنك فقال له داود إن الله إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئا فدعني أقاتل جالوت كما أريد قال فافعل ما شئت قال نعم فأخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الرجال وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد فلما نظر إلى داود ألقى الله في قلبه الرعب فقال له أنت تبرز إلي قال نعم وكان جالوت على فرس أبلق وعليه السلاح التام قال فأتيتني بالمقلاع والحجر كما تأتي الكلب قال داود عليه السلام نعم أنت شر من الكلب قال جالوت لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء فقال داود أو يقسم الله لحمك فقال داود باسم إله إبراهيم وأخرج حجرا ثم أخرج الآخر وقال باسم إله إسحق ووضعه في مقلاعه ثم أخرج الثالث وقال باسم إله يعقوب ووضعه في مقلاعه فصارت كلها حجرا واحدا ودور داود عليه السلام المقلاع ورمى به فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة فخلط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلا فأخذ يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح المسلمون فرحا شديدا وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين والناس يذكرون داود فجاء داود طالوت وقال أنجز لي ما وعدتني فقال تريد ابنة الملك بغير صداق فقال داود ما شرطت علي صداقا وليس لي شيء فقال لا أكلفك إلا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإذا قتلت منه مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوجتك ابنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم مائتي غلفة فجاء بها إلى طالوت وألقاها إليه وقال ادفع إلي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه وأكثروا ذكره فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر ذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فقالت ابنة طالوت لداود إنك مقتول في هذه الليلة قال ومن يقتلني قالت أبي قال فهل أجرمت جرما فقالت حدثني من لا يكذب ولا عليك أن تغيب هذه الليلة حتى تنظر مصداق ذلك قال لئن كان أراد ذلك ما أستطيع خروجا ولكن ائتيني بزق خمر فأتت به فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لها أين بعلك قالت هو نائم على السرير فضربه بالسيف ضربة فسال الخمر فلما وجد ريح الخمر قال يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئا فقال إن رجلا طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون فأعمى الله سبحانه الحجبة وفتح له الأبواب فدخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن شماله ثم خرج فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكف عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه فلما كانت القابلة أتاه ثانيا وأعمى الله الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق طالوت الذي كان يتوضأ منه وكوزه الذي كان يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيا من هدب ثيابه ثم خرج
(٢٣٣)