تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٣٥
بعدهم للقتال حتى قتل فجاء قاتله إلى داود ليبشره وقال قتلت عدوك فقال داود ما أنت بالذي تحيا بعده فضرب عنقه وكان ملك طالوت إلى أن قتل أربعين سنة وأتى بنو إسرائيل إلى داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم قال الكلبي والضحاك ملك داود بعد قتل طالوت سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود فذلك قوله تعالى (وآتاه الله الملك والحكمة) يعني النبوة جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن كذلك من قبل كان الملك في سبط النبوة في سبط وقيل الملك والحكمة هو العلم مع العمل قوله تعالى (وعلمه مما يشاء) قال الكلبي وغيره يعني صنعة الدروع وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل إلا من عمل يده وقيل منطق الطير وكلام الجعل والنمل والذر والخنفساء وحمار قبان وما أشبههما مما لا صوت لها وقيل هو الزبور وقيل هو الصوت الطيب والألحان فلم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها وتظله الطير مصيخة له ويركد الماء الجاري ويسكن الريح وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما هو أن الله تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فعلم داود ذلك الحدث ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ وكانوا لا يتحاكمون إلا إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقا أتى السلسلة فمن كان صادقا مد يده إلى السلسلة فتناولها ومن كان كاذبا لم ينلها فكانت كذلك إلى أن ظهر بهم المكر والخديعة فبلغنا أن بعض ملوكها أودع رجلا جوهرة ثمينة فلما استردها أنكرها فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكازة فنقرها وضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر السلسلة فقال صاحب الجوهرة رد علي الوديعة فقال صاحبه ما أعرف لك عندي من وديعة قال فإن كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيده فقيل للمنكر قم أنت فتناولها فقال لصاحب الجوهرة خذ عكازتي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة فأخذها المالك عنده ثم قام المنكر نحو السلسلة فأخذها فقال الرجل اللهم إن كنت تعلم أن هذه الوديعة التي يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة فمد يده فتناولها فتعجب القوم وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة قوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) قرأ أهل المدينة ويعقوب (دفاع الله) بالألف ههنا وفي سورة الحج قرأ الآخرون بغير الألف لأن الله تعالى لا يغالبه أحد وهو الدافع وحده ومن قرأ بالألف قال قد يكون الدفاع من واحد مثل قول العرب أحسن الله عنك الدفاع قال ابن مجاهد ولولا دفع الله الناس بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد وقال سائر المفسرين لولا دفع الله بالمؤمنين والإبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها ولكن
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»