يصدق بعضهم بعضا، ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض، فذلك معنى آخر بالتصديق، وهذا قول سعيد بن جبير وطاووس وقتادة والحسن والسدي، يدل عليه ظاهر الآية، وقال علي (رضي الله عنه): لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم وأمره بأخذ العهد على قومه لتؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه، وقال آخرون: إنما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين، وهو قول مجاهد والربيع.
قال مجاهد: هذا خلط من الكتاب وهو من قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، قالوا: ألا ترى إلى قوله ثم " * (جائكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) *) وإنما كان محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين.
وقال بعضهم: إنما أخذ الميثاق على النبيين وأممهم (ليؤمنن به)، ففرد الأنبياء عن ذكر الأمم لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على الأتباع، وهذا معنى قول ابن عباس وهذا أولى بالصواب.
قال الله: " * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) *) أي وقبلتم على ذلك عهدي، نظير قوله تعالى: " * (إن أوتيتم هذا فخذوه) *) أي فاقبلوه، وقوله تعالى: " * (لا يؤخذ منها عدل) *) أي لا يقبل منها فداء، وقوله: " * (يأخذ الصدقات) *) أي يقبلها، " * (قالوا أقررنا) *).
قال الله: " * (فاشهدوا) *) على أنفسكم وعلى أتباعكم " * (وأنا معكم من الشاهدين) *) عليكم وعليهم.
قال ابن عباس: فاشهدوا: يعني فاعلموا، قال الزجاج: فاشهدوا أي فبينوا لأن الشاهد هو الذي عين دعوى المدعي، وشهادة الله للنبيين بينوا أمر نبوتهم بالآيات والمعجزات، وقال سعيد بن المسيب: قال الله تعالى للملائكة: فاشهدوا عليهم، فتكون كناية عن غير مذكور.
" * (فمن تولى بعد ذلك) *) الإقرار والإشهاد " * (فأولئك هم الفاسقون) *) العاصون، الخارجون عن الإيمان.
" * (أفغير دين الله يبغون) *) الآية.
قال ابن عباس: اختصم أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم (عليه السلام) كل فرقة زعمت أنه أولى بدينه، قال النبي صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله " * (أفغير دين الله يبغون) *) وهو قراءة الحسن وحميد ويعقوب وسلام وسهل وصفوان بالياء لقوله: " * (أولئك هم