تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ١١٠
" * (حتى تنفقوا مما تحبون) *): أي مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبها إليكم طيبة بها أنفسكم، صغيرة في أعينكم.
مجاهد والكلبي: هذه الآية منسوخة، نسختها آية الزكاة.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أراد بهذه الآية الزكاة يعني: حتى تخرجوا زكاة أموالكم، وقال عطاء: لن تنالوا شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحاء أشحاء، تأملون العيش، وتخشون الفقر، وقال الحسن: كل شيء أنفقه المسلم من ماله يبتغي به وجه الله تعالى فإنه من الذي عنى الله سبحانه بقوله: " * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *) حتى التمرة.
وروي أن أبا طلحة الأنصاري كان من أكثر الأنصار نخلا بالمدينة، وكان أحب أمواله إليه بئر ماء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت " * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *) قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله يقول: " * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *) وإن أحب أموالي إلي بئر ماء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله عز وجل، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بخ بخ، ذلك مال رابح لك وقد عرفت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين).
فقال له: أفعل يا رسول الله، فقسمها في أقاربه وبني عمه.
وروى معمر عن أيوب وغيره قال: لما نزلت: " * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *) جاء زيد بن حارثة بفرس كانت له يحبها وقال: هذه في سبيل الله، فحمل عليها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد. فكان زيدا واجدا في نفسه وقال: إنما أردت أن أتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما إن الله قد قبلها منك).
وقال حوشب: لما نزلت " * (لن تنالوا البر) *) قالت امرأة لجارية لها لا تملك غيرها: أعتقك وتقيمين معي غير أني لست أشرط عليك ذلك، فقالت: نعم، فلما أعتقتها ذهبت وتركتها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته به فقال النبي صلى الله عليه وسلم (دعيها فقد حجبتك عن النار، وإذا سمعت بسبيي قد جاءني فأتيني) (80).
وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قالوا: كتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن يبتاع جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فقال سعد بن أبي وقاص: فدعا بها
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»