المشهد وسئل بعض المشايخ عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ' أكثر أهل الجنة البله '. قال: لأنهم في شغل فاكهون شغلهم النعيم عن المنعم.
وسئل بعضهم أيضا عن ذلك فقال: من رضى من الله بالجنة فهو أبله.
قال القاسم في قوله: * (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) * قال: أهل الجنة في درجاتهم على تفاوت ظاهر ومعان مختلفة فمنهم من هو مربوط بشهوة بطنه وفرجه ومنهم من هو مربوط برؤية الصفات والنعوت ومنهم من ظهر له من فضل الحق ومننه فهو يقول: الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله ومنهم من هو مربوط بحقيقة حقه مغيب عن ظاهره وحكمه مستتر فيما لم يزل مستترا فيه من تقديره وتصريفه واختياره ومنهم من هو في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال الحسين: إن الحق قطع أهل الجنة بتجليه عن الالتذاذ بالجنة لأنه أفناهم بتجليه عنها لئلا تدوم بهم اللذة فيقع بهم الملك فرجوعهم إلى إياهم بعد تجلي الحق لهم يوفر اللذة عليهم والخلق لا يلتذ به.
قوله تعالى: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * [الآية: 57].
قال ابن عطاء: مكر بالخلق في كل موضع وخدعهم عنه بكل شيء حتى في الجنة يقول: لهم فيها فاكهة ولو علت هممهم لما اعاروا ابصارهم الجنة وما فيها بل خرجوا منها طالبين محل الرضا ومشاهدة الحق كمن علا همته وهو السفير الأعلى حين أخبر عنه فقال: * (ما زاع البصر وما طغى) *.
قوله عز وعلا: * (سلام قولا من رب رحيم) * [الآية: 58].
قال ابن عطاء: السلام جليل الخطر وعظيم المحل واجله خطرا ما كان في المشاهدة والمكافحة من الحق حين يقول: * (سلام قولا من رب رحيم) *.
قوله عز وعلا: * (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) * [الآية: 61].
قال الثوري: الأنفاس ثلاثة: نفس في العبودية ونفس بالربوبية ونفس بالرب.
وقال أبو سعيد الخراز: نفوس الأولياء في دار الدنيا على مقام العبودية ونفوس عامة المؤمنين على مقام الجزاء ونفوس الأشداء على مقام الحرية وأهل الحقيقة عبيد في الدنيا